صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/111

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

وهذا القسط من التربية كافي لسروات الجاهلية من العاملين في مثل عمله وعمل أبيه، وهو تدبير التجارة القرشية، وحمل اللواء لحمايتها، والاستعانة بمن يصلحون الحراستها، ويذبون عنها بالسلاح إذا وجب الذب عنها.

أما بعد الإسلام فهذه التربية، أو هذه النشأة، تقترن بسؤال آخر عن نصيبه من فقه الدين والثقافة الإسلامية، ويكاد يدعو الأمر هنا إلى سؤال غير هذا السؤال في أمر الدين أساسه، فإن أناشا من الغلاة قد شككوا في إسلامه، بل جزموا بإسلامه على دخلة ومداهنة، فهل كان لهذا الشك من مسوغ في عمله، أو كلامه بعد إسلامه مع أبيه في عام الفتح كما هو معلوم؟

إسلامه كما تأخر إسلام أبيه، فأسلما معا في عام الفتح وهو في نحو الثالثة والعشرين، وليس هذا التأخر بموجب للشك في عقيدته، لأنه يحدث في كل دين وفي كل دعوة، وينقسم الناس في جميع الدعوات الدينية والفكرية إلى مبادرين ومترددين ومتلبثين متلكئين لا يستجيبون لها إلا مع آخر مستجيب، ولا يندر بعد ذلك أن يكون المتأخر أصدق إيمائا، وأثبت عقيدة من المبادر المتقدم، وليس من الجائز أن تتخذ العادة المطردة في الاستجابة للدعوات حجة على نقيضها، فما كانت الدعوات قط إلا هكذا أو لا تكون

ومعاوية بعد إسلامه لم تثبت عليه كلمة ولا فعلة تنقض تصديقه بدينه ورعايته الفروضه وشعائره: كان يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، ويقرأ القرآن ويستمع إليه، وكانت كل لفظة فاه بها وأحصيت عليه في مرض الوفاة تدل على الإيمان بالقاء الله، وعلى الإيمان بالجزاء في العالم الآخر، ومما تواتر من أحاديث الملازمين له في ساعاته الأخيرة أنه كان يحتفظ بقلامة من ظفر رسول الله، وشعرات من لحيته الشريفة، أخذها من وضوئه، وما زال محتفظا بها حتى أوصى بأن تدفن في كفنه، وكل أولئك قد الظن ممن تغالبه الظنون، إلا المعيشة بين الأهل والبنين حيث ينطلق المرء على سجيته، وتبدر الفلتات على الرغم من طول الحذر والمراوغة ممن لهم باطن غير ظاهرهم في العقيدة الدينية، ولا نتصور أن رجلا له باطن وظاهر في أمر العقيدة ينشأ من بيته يسري إليه

110