صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/119

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

والغزو في بلاد الروم من تخوم الشام إلى أرباض ۲ القسطنطينية، وكان يحرك الأساطيل من حين إلى حين التهديد القسطنطينية، وسواحل الدولة البيزنطية؛ ليشغلها بالدفاع عن التفكير في الهجوم. وبرزت حزامة معاوية في تدبير شئون ملکه ما اشتهر به ساسة العصر إقبال الدولة والدنيا من الكلف بمناعم العيش والتهافت على المتع والملذات، بل مع اشتهار معاوية نفسه بمثل هذا الكلف في بيته وفيما يشهده الناس من أبهته وزينته، فكان عظيم العناية بأطايب الخوان، كثير الزهو بالثياب الفاخرة، والحلية الغالية، وكان يأكل ويشرب في آنية الذهب والصحافة المرصعة بالجواهر، ويأنس للسماع واللهو ولا يكتم طربه بين خاصة صحبه «لأن الكريم طروب».. إلا أنه كان على هذا كله لا يضيع عملا في سبيل لذة، ولا ينكص عن مشقة تواجهه من أجل متعة تغريه، وربما أمر بإيقاظه ساعات من الليل لمراجعة الرسائل والشكايات من أطراف الدولة القاصية، وربما جلس للمظالم نهارا فاستمع إلى الجليل والدقيق منها، ونظر في بعضها، وأحال بعضها إلى من يناط بها ويحاسبه على النظر فيها، وكانت له قدرة على ضبط هواه حين يريد، وقدرة على تصريف وقته كما يشاء ولما برزت منه هذه القدرة للشاهد والغائب أتيحت له حجة لطلب الخلافة أغنته عن اللجاجة بمظلمة عثمان، فكان يخطب فيقول: «إنني إن لم أكن خيركم فأنا أنفعكم لأنفسكم.» وكان يقول للحسن ولغيره: «إنه لو علم أن أحدا أضبط لشئون الملك منه وأقدر على جمع الرعية حوله، لما نازعه هذه الأمانة الثقيلة على عاتقه.» وإذا كان الأمر أمر قدرة وعجز، فلا جدال في وصف معاوية بالقدرة ونفي العجز عنه، لأنه من الصفات التي ترد على بال عارفيه أو خصومه. بيد أن القدرة - كما قلنا في الصفحات الأولى من هذه الرسالة الصفات إلى التقدير؛ لأنها لا تعرف إلا بمقدارها، ولا تدل على شيء إن لم تكن قدرة على هذا الشيء أو ذاك. أحوج هي

" أرباض: جمع ربض بفتح الراء والباء: ما حول المدينة من بيوت ومساكن.

118