صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/120

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الأعمال

وتقدير هذه القدرة التي امتاز بها رأس الدولة الأموية - فيما نرى - أنها كانت الحزم غاية الحزم في الشوط القصير، ولكنها تخلو من الحزم، أو تنحرف إلى نقيضه في الشوط الطويل والأمد البعيد. إن معاوية لم يضيع عملا حاضرا في سبيل متعة حاضرة، ولكنه أوشك أن يضيع الغد كله في سبيل اليوم الذي يشهده، أو في سبيل العمر الذي يحياه. ألجأته الحاجة إلى إنفاق المال في أبهة الملك والإغداق على الأعوان والخدام إ إرهاق الرعية بالضوابط، ومخالفة العهود مع أصحاب الجزية، فكان من الولاة من يطيعه، ومنهم من يجيبه معترضا كما فعل وردان في مصر حين أمره بذلك، فأجابه سائلا: كيف أزيد عليهم وفي عهدهم ألا يزاد عليهم؟» ومن الولاة الذين أنكروا أن تستصفى الأموال لبيت مال الخليفة والي خراسان، الذي كتب إليه زياد يأمره ألا يقسم في الناس ذهبا ولا فضة، فكتب الوالي إلى زياد: «بلغني ما ذكرت من كتاب أمير المؤمنين، وإني وجدت كتاب الله تعالى قبل كتاب أمير المؤمنين، وإنه والله لو أن السماء والأرض كانتا رتقا على عبد، ثم اتقي الله جعل له مخرجا، والسلام.» إلا أن الولاة الذين أطاعوا وبالغوا في الطاعة أكثر من الذين يمروا بالمخالفة، وكلما اشتدت الحاجة إلى المال اشتد الطلب على الرعية، وعمد بیت المال إلى احتجاز حصة الزكاة من الأعطية لحسبانها في الهبات والهدايا، وفتح هذا الباب على مصراعيه فتوسع فيه كل خليفة بعد معاوية، حتى جعلوا يحاسبون الناس على التخمين»، ويحصون عليهم ثمراتهم قبل أن تنبتها الأرض، فيحسبونها عليهم بثمن دون ثمنها، ويأخذون منها ما يصل إلى أيديهم بالثمن الذي اختاروه، وتمادي هذا العسف إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي استنكره، وكتب إلى بعض ولاته يقول: «إن عمالك يخرصون الثمار عن أهلها، ثم يقومونها بسعر دون سعر الناس الذين يتبايعون به، فيأخذونها قرقا على قيمتهم التي قوموها ...» ولم ينته هذا العسف حتى كانت نهايته بداية للخراب، وإفلاس الدولة في ختام عهدها، فكان إفلاسها هذا على حين حاجتها إلى مضاعفة الورد - سببا من أسباب التعجيل بزوالها.

الشوط: الجري مرة إلى الغاية، يقال: عدا شوطا كما يقال: عدا طلقا.

رتقاء رتق الشيء سده ضد فتقه. يخرصون: خرص الكرم والنخل قدره بظن. لا قرقا: قرف على القوم: خلط وكذب.

مم

119