صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/124

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الأعمال

عليه، زياد: أما . فسأله سمعت النداء؟ ... قال الأعرابي: لا والله، قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل، وأقمت لأصبح، ولا علم لي بما كان من الأمير. قال: أظنك والله صادقا ولكن في قتلك صلاح الأمة، وأمر به فضربت عنقه. ومثل هذا الحكم لا يغتفر ولو كان من معاذيره «ضبط الأمور وتأمين الناس، لأنه يؤمنهم بخوف أشد عليهم من خوف العدوان، ولكنه على هذا لم يصلح للضبط والتأمين إلا فترة لم تطل ولا يزال سواء منها على الأمة أن تنقضي في عدوان أهل البغي، أو في نكال السلطان بمثل هذا النكال، ثم انقضت هذه الفترة، فنجمت نواجم الشر ولم تنشب في تلك الأنحاء ناشبة من الفتنة، إلا كان لها جرثومة من تلك السياسة التي تفسد الأمور في زمانها وفيما بعد زمانها. وكان الناس من حين إلى حين يهربون من هذه الشدة، ويتحرمون بجوار العاصمة فيجيرهم معاوية، ولا يكف يد واليه عن غيرهم، وكتب إليه زیاد مرة: إن هذا فساد العملي، كلما طلبت رجلا لجأ إليك وتحرم بك. فكتب إليه معاوية: «إنه لا ينبغي أن نسويس الناس بسياسة واحدة، فيكون مقامنا مقام رجل واحد، ولكن تكون أنت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة فيستريح الناس بيننا . على أن زيادا تحرج أ أشد الحرج في قضية حجر بن عدي، وأرسله إلى معاوية فلم يتحرج معاوية من قتله، ولم يذكر الناس لزياد من جرائر قسوته في حكمه ما ذكروه من جرائر هذه السقطة لمعاوية. وساءت العقبی من سياسة التفرقة كما ساءت العقبي من سياسة القسوة، فلم تنجم في الدولة ناجمة فتنة إلا كانت جرثومتها في هذه السياسة، وكان حزم معاوية وكانت قدرته في كل هذه الفتن حزما لا بد له من تعقيب، وكانت قدرته في أعماله جميعا قدرة لا بد لها من تقدير. وجماع الصدق في هذا التقدير أنها كانت قدرة على الشوط القصير والأمد القريب، ولم تكن قط قدرة على الشوط الطويل والأمد البعيد، واستقر الملك لمعاوية على قلق دخيل إلى أن أدركته الوفاة سنة ستين للهجرة، وبطل نصفه قبل وفاته كأنه ضرب من الشل، وأصابته لوقة، وسقطت أسنانه جميعا، كأنها من أدواء التخمة التي تعجل إلى الكبد والأسنان، ويبدو أثرها في مرض الجلد واللثة، وكان يخلط في وفاته أحيانا، ولكنه كان ساعة ساعة حاضر الذهن صحيح اللسان، فدعا بصاحب شرطته الضحاك يصلحو

بعد

123