صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/126

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.


في الميزان


حق الأمانة على المؤرخ في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي أن يراجع بينه وبين ضميره طائفة من الحقائق البديهية، قبل أن يستقيم له الميزان الصادق لتقدير الرجال بأقدارهم، وتقويم المناقب والمآثر بقيمتها. ومن هذه الحقائق البديهية أن الأموال التي بذلها معاوية للمأجورين من حوله لم تبذل لتعريف الناس بحسناته وسيئاته، كما يعرفها من لم يأجر بمال ولم يتصل معه يلليب ومن هذه الحقائق البديهية أن سلطان معاوية يدخل في الحساب حيث يؤوب الباحث إلى ذلك الزمن، ليفرق بين ما يقال عن صاحب السلطان، وما يقال عن رجل يحاربة السلطان في سمعته وذكراه. ومن الحقائق البديهية تواطؤ الزمن على إقرار ما قيل وتكرر وطال وقوعه في الأسماع، حتى تكاد تنفر من تغييره لو عرض لها فيه شيء من التغيير، وحتى لتكاد تعجز عن النفاذ إلى الحقيقة لو رغبت في ذلك التغيير لسبب من الأسباب، وقلما تعرض هذه الأسباب لمن لا يعنيهم تمحيص ما يقال في الساعة الراهنة، فضلا عما يقال ويعاد منه مئات السنين. ومن الحقائق البديهية أن المحاباة تأتي بتوافق الطبائع، كما تأتي بالغرض والرشوة، فلا يسهل على الإنسان نقد صفة يعلم أنه متصف بمثلها، وأستنكار وسيلة يعلم أنه لا يستنكرها، ولا يأبى النجاح إذا توسل بها إليه. ومن الحقائق البديهية أن المحاباة تأتي من جهات لم تخطر للمنتفع بمحاباتها على بال، فالدولة الأموية في الأندلس أنشأت للشرق الإسلامي تاريا لم يكتبه مؤرخوه، ولا يكتبونه على هذا النحو لو أنهم كتبوه، وجاءت تلك الدولة الأندلسية بمؤرخين من الأعلام