صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/128

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

في الميزان

وكان له حلم أوشك أن يحرمه عزة الرئاسة، ولكنه حلم من لا يغضب، وليس بحلم من يغضب ويملك عنان غضبه، فسيان أن يركب غضبه بعنان أو بغير عنان، فإنه في غني عن قوة الساعد مع مطية لا تثور ثورة الجماح في كل حين.

وكان له طموح إلى السيادة، ولكنه طموح الألفة والعادة، ورثه مع جاه الأسرة ولم يخلق فيه بتلك الخليقة «الحيوية التي يطبع عليها العصاميون، فكأنما هي جزء من التركيب وليست وجاهة من وجاهات البيت العريق يطلبها كما يطلب الميراث.

وإذا وزنت قدرة معاوية بميزان النجاح حصل من نجاحه في كفة الميزان حاصل قليل، پهون شأنه مع أثقال الكفة الأخرى من الجهود والشواغل والهموم.

فقد أراد الملك له ولبنيه، ولم يرده لبني أمية أجمعين؛ لأنه فرق بينهم ما اجتمع، وأغرى أناسا منهم بأناس، ولم يعمل عمله إلا ليتركه من بعده لعشيرته من بني سفيان، فلم يخلفه من ذريته غير يزيد، وذهب يزيد في عنفوانه بداء الجنب فلم يخلفه أحد من ولديه.

وتبعة معاوية في عاقبة ولي عهده الذي خرق الخوارق من أجله أعظم جدا من مسعاته في توريثه الملك، وتوريث أبنائه من بعده، فقد جنت عليه تلك الخليقة الأموية، فلم يعرف من البر بالأبناء غير الإملاء لهم في النعمة والمتاع، وما كان يزيد ليقصد في مطامعه ومناعمه، وهو ينظر إلى قدوة سبقته إلى تلك المطاعم والمناعم، وسبقته إلى تدبيرها له كلما استعصت عليه، ولو لم تكن من الشهوات التي يقضيها الآباء للأبناء

إن ذات الجنب مرض من أمراض الكبد، وأمراض الكبد قضاء حتم على المنهوم بطعامه، والمفرط في شهواته، وقد صنع معاوية ليزيد هذا وصنع له ذاك: صنع له عدة النعمة والمتعة، ووضع له عدة الملك والسلطان، وما يحسب له من هذا دون ما يحسب من ذاك

وخرج معاوية من الملك بالأيام التي قضاها في نعمته وثرائه، ولا نقول في صولته وعزه، فقد كان يذل لكل ذي بيعة منشودة ذلا لم يصبر من بايعوه على مثله، ولو وزن ما أحتمله في سبيل بيعتهم وما أحتملوه في سبيل طاعته؛ لكان ما أحتمله أثقل الكفتين؛ تبعته العامة في أمر الملك فأمر جسيم لا تعدله جسامة عمل في عصره؛ لأنه{smallrefs}}

127