صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/27

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

معاوية بن أبي سفيان

أحاط الموالي بالإمام حتى قال له بعض أنصاره من العرب: «لقد غلبتنا هذه الحمراء عليك»، وسار الإمام في العدل بينهم وبين العرب سيرة من يعلم أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى.

أما في الشام فقد كان معاوية لا يباليهم؛ لأنهم قلة هناك لا يحسب لها حساب، ومرضاة العرب أولى من مرضاة الموالي في دمشق حيث قامت الدولة الأموية، وحيث هان خطبهم بعد ذلك حتى قيل إنه هم بقتلهم والبطش بهم على غير عادته، وقال لهم غير مرة: إنكم عجم وعلوج!

وما كان من قبيل المصادفات أن الدولة الأموية قامت في دمشق، وأن الدولة التي قوضتها — وهي دولة بني العباس — قامت في بغداد، فإن دمشق ما كانت لتصلح مقامًا للدولة بعد اتساعها للعرب والفرس والترك والديلم، وموالي الأمم من كل قبيل.

وقد كانت العصبية العربية قوة للدولة الأموية في نشأتها، وكان اختلاط الموالي ضعفًا للدولة القائمة في الجزيرة؛ لأنهم أشتات متفرقون لم يكن منهم أحد يقبض على زمام من أزمَّتها …

ونجمت ناجمة الخوارج فلم تكن لها جرثومة في الشام ينجمون منها، ولكنهم أصبحوا شعبة جديدة من شعب الشقاق بين الموالي والشيعة من العرب، وأصحاب التزمت والزهد من أدعياء الاجتهاد، وأدعياء الحق في محاسبة ولي الأمر على ما شرعه الكتاب …

 

ثم قتل علي دون صاحبيه المقصودين بالقتل معه: معاوية وابن العاص؛ فانتفع معاوية بعمله في حياته كأنه أعفاه من جهاد منافسيه بالحجاز والعراق، وانتفع بعده بالشقاق بين الشيعة والخوارج والموالي والعرب في رقعة الجزيرة، فإذا هم يضرب بعضهم بعضًا، ويغلبهم جميعًا بأيديهم كلما تفرقوا وتقاتلوا، وما كان في وسعهم أن يتفقوا أو يكفوا عن القتال.

وإن القدرة التي خلصت بها الخلافة لمعاوية بين هذه الحوادث لتوزن بميزانها الصادق إذا شاء المؤرخ أن يخالف بين الكفتين … فماذا كان معاوية صانعًا لو أنه بويع بالخلافة في المدينة، ولم تكن له سابقة ولاية على الشام؟ وماذا كان صانعًا لو كان على الشام يومئذ منافس يسوسها على سنة الملك، ويرتكن فيها إلى قواعد راسخة من عهد الفاروق وقواعد راسخة من قبل الإسلام؟

26