صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/34

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الدهاء

ما يطلبونه ويعرفون وسيلتهم إليه، فلا خادع فيهم ولا مخدوع، وإن لم يكونوا جميعا صرحاء فيما يتوسلون به أو يتوسلون إليه. من أي هذين الطرازین دهاء معاوية؟ أمن طراز القدرة العقلية الفائقة التي تسخر الأعوان منقادين مستسلمين مغمضي الأبصار والبصائر، أم من طراز القدرة المادية التي تعطي وتأخذ ويأملها طلاب الحاجات؛ لأنهم يعرفون ما يحتاجون إليه ولا يعرفون طريقا إلى حاجاتهم تلك غير هذه الطريق؟ بأي الدهاءين تمكن معاوية من اجتذاب عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه، وغيرهم من الدهاة الذين سارت بدهائهم الأمثلة في صدر الإسلام؟ لعلنا نستطيع أن نقول: إن هؤلاء الدهاة ومن جرى مجراهم قد خدعوه وسخروه القضاء مأربهم، كما نستطيع أن نقول: إنه هو قد خدعهم وسخرهم لقضاء مآربه فإنهم جميعا قد أخذوا ناجا مضمونا حيث يأخذ منهما العوض مقدرا غير مضمون، وأيا ما كان القول فليس دهاء معاوية هنا دهاء القدرة العقلية الفائقة التي أوقعت في روع أعوانه زعما تخفى عليهم حقيقته، وينقادون به إليه وهم لا يفقهون، وإنما أخذ منهم وأخذوا منه على حد سواء، وإنما أعطاهم المصلحة التي يريدونها ولا ينتظرون قضاءها عند غيره، ولم يتمكن من إعطائهم تلك المصلحة؛ إلا لأنه سبقهم إلى ولاية الشام عشرين ووضع أيديه على المرافق التي لم يكن في وسع واحد منهم أن يضع عليها يدا من أيديه. إن رواة التاريخ العربي يحدثوننا كعادتهم في التوصيف والتقسيم، عن دهاتهم في صدر الإسلام، فيقولون: إنهم أربعة: عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، ومعاوية بن أبي سفيان، ويقولون: إن أبن العاص للبديهة، والمغيرة للمعضلات، وزياد الكل كبيرة وصغيرة، ومعاوية للروية. وهذا تقسيم صحيح في جملته على الإيجاز، وقد يعرض له بعض التعديل عند الإسهاب والتفصيل، ولكن الرأي الذي لا شك فيه أنهم جميعا من الدهاة على اختلاف نوع الدهاء، وأن دهاء الثلاثة الأولين هو الذي قادهم إلى معاوية، ولم يكن دهاء معاوية هو الذي قادهم إليه، فقد عرفوا مطالبهم وعرفوا أنهم يجدونها عند معاوية حيث لا يجدونها عند غيره، ولو أنهم استطاعوا أن ينازعوه الخلافة لما سلموها له طوقا، ولما قنعوا منه بالنصيب الذي أرتضوه في خلافته، ولكن الخلافة كانت مطلبا بعيدا عليهم، فلم يضيعوا

فيه جهودهم، ونظروا إلى غاية المطالب لونه فبلغوها بجهد يسير

33