صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/46

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الدهاء

كانت هذه النسبة حجتها من جانب النسب في استحقاق الخلافة، وقد كانت اليمن هي القطر الوحيد الذي رحب بوالي الإمام علي في أول بيعته، وكان الأنصار أهل المدينة من حزبه وهم بين أوس وخزرج ينتمون إلى اليمانية، وكانت كندة تنصره وظلت على نصرته، ونصرة أبنائه زمنا طويلا بعد قيام الدولة الأموية والدولة العباسية، وكان أشد أعوان الفاطميين بعد ذلك من اليمانية في المشرق وفي المغرب، ولما تلاقى جيش علي وجيش معاوية في وقعة صفين كانت القبيلة العربية الواحدة تقاتل في كلا الجيشين ... قال ابن الأثير: «وسأل علي عن القبائل من أهل الشام فعرف مواقفهم، فقال للأزد: اكفونا الأزد، وقال لخثعم: أكفونا خثعم، وأمر كل قبيلة أن تكفيه أختها من الشام، إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى من الشام ليس بالعراق منهم أحد؛ مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا القليل صرفهم إلى لخم . فالنزاع بين اليمانية والمضرية لم يكن نزاعا على فخر النبوة، ولا على فخر الخلافة عند بداءة أمره، وإنما كان نزاعا بين سلاحين أو بين جيشين متنافسين في مكان واحد، عدا ما هنالك من النزاع بين الفكرين، ونحن نرى في عصرنا وفي كل عصر أمثال هذا التنافس بين الأسلحة كلما جنح ولاة الأمر إلى فريق منهم دون فريق، وقد رأينا هذا التنافس بين سلاح البر وسلاح البحر وسلاح الهواء في الجمهورية الفضية، وكلهم من جنس واحد أو قومية واحدة؛ لأن ولاة الأمر هناك يؤثرون سلاحا على سلاح في التنازل بينهم على السند الذي يستندون إليه. لقد كانت عصبية النسب عنوانا من عناوين الخلاف بين قبائل اليمن، وقبائل مضر في دولة بني أمية بالشام، ولكن هذه العصبية لم تكن لازمة كل اللزوم لإثارة الخلاف حينما أريد لغرض من أغراض السياسة، وقد حدث مثله بين قبائل اليمن، وحدث مثله بين قبائل مضر على حسب الطوارئ والمناسبات، ولو كان الجند كلهم من قبيلة واحدة وأراد ولي الأمر أن يثير المنافسة بينهم؛ لما أعياه ذلك كما حدث في هذا العصر بين الشعوب الأمريكية في الجنوب على ما قدمناه. ومعاوية كان يريد النزاع بين اليمانية والمصرية، ولم تكن له من خطة ثابتة فيه غير التفرقة بينهم تارة إلى هؤلاء، وتارة إلى هؤلاء، وقد كان هو نفسه من المصريين، ولكنه كان يبدو في بعض الأحايين كأنه من أبناء اليمن عدو الأبناء مضر، وطابت له هذه

EO

45