صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/47

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

السياسة فاستمرأ۲ مرعاهم الوخيم حتى كانت عقباها ضياع الدولة الأموية كلها بعد جيلين. وأبرع ما برع فيه من ألوان الدهاء إلقاء الشبيهة بين خصومه في زمن كانت فيه هذه الشبهات من أيسر الأمور؛ لكثرة التقلب والتحول في الدول والممالك بين أنصار اليوم وخصوم الأمس، أو أنصار الأمس وخصوم اليوم . كان إذا أراد أن يستميل أحد البطارقة من دولة الروم فاستعصى عليه؛ كتب له رسالة مودة وثناء، وأنقذها مع رسول يحمل إليه الهدايا والرشا كأنها جواب على طلب منه يساوم فيه على المصالحة والغدر برؤسائه من دولة الروم، ويخرج الرسول العربي من طريق متباعد كأنه يتعمد الروغان من العيون والجواسيس، فإذا اعتقله الروم ولا بد أن يعتقلوه لأنه يتعرض للاعتقال ويسعى إليه وقعت الشبهة على البطريق المقصود، وتعذر الاطمئنان إليه من قومه بعد ذلك، وعزلوه وأبعدوه إن لم ينكلوا به أشد الثكال وقد أحتال بمثل هذه الحيلة على قیس بن سعد حتى أوقع الريبة منه في نفس الإمام، وساعدته الحوادث على خلق هذه الريبة كما أجملنا ذلك في كتابنا عن عبقرية الإمام «فشبهاته لم تكن بالقليلة ولا بالضعيفة؛ فإن قیس بن سعد لم يدخل مصر إلا بعد أن مر بجماعة من حزب معاوية، فأجازوه ولم يحاربوه وهو في سبعة نفر لا يحمونه من بطشهم، فحسبوه حين أجازوه من العثمانيين الهاربين إلى مصر من دولة علي في الحجاز، ولما بايع المصريون عليا بقي العثمانيون لا يبايعون ولا يثورون، وقالوا السعد: أمهلنا حتى يتبين لنا الأمر، فأمهلهم وتركهم وأدعين حيث طاب لهم المقام بجوار الإسكندرية ... وأراد الإمام أن يستوثق من الخصومة بين قيس ومعاوية، فأمر قيشا أن يحارب المتخلفين عن البيعة فلم يفعل، وكتب إليه يقول: إننا متى قاتلنا ساعدوا عليك عدوك وهم الآن معتزلون، والرأي تركهم . وتعاظمت بعد ذلك الظنون في زمن صدقت فيه أكثر هذه الظنون، فأما معاوية فلم يكن يكربه۲۰ الظن ولا الشبه بالظن؛ لأنه يعلم المنفعة التي يعطيها والمنفعة التي يريده . ۲۵ ۲۶ استمرأة استمرأ الضيف الطعام: استطابه. يكربه: كرب الأمر الرجل اشتد عليه وضايقه. YO

۶۶

46