صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/56

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الحلم

من في أمر ألتقوى والصلاح؛ ليقول كلما نافس عليا وأبنه الحسن: إن لم أكن خيركم فأنا خيركم لدنياكم. فالحلم عند معاوية وسيلة من وسائل التحبب إلى الناس، ووسيلة من وسائل الدعاية السياسية يعزز بها حجته، ولا يستطيع أن يفخر بصفة غيرها في مقام المفاضلة بينه وبين الرجل الذي سلم له المنصف والمكابر بفضيلة الشجاعة، وفضيلة التقوی. جرم كان في أخبار حلمه إفراط ومجاوزة للمألوف أمثاله، وكان من أهله من يثور لإفراطه هذا، ويحس الهوان في عزته لما يحتمله صاحب الأمر كله في دولتهم من الجرأة عليه وعليهم، وكان يزيد ابنه وولي عهده أشد هؤلاء الثائرين سخطا على أبيه، يقول له كلما راجعه: «أخاف أن يعد ذلك منك ضعفا وجبنا فيقول له: «أي بني! إنه لا يكون مع الحلم ندامة ولا مذمة، فامض لشأنك ودعني ورأيي» وقد يعزى غضب يزيد من ذلك الحلم «المفرط» إلى سورة الشباب، وحب الاستطالة بالعزة والسؤدد على عادة أترابه وأنداده، ولكن الرأي بين آل بيته «المحنكين» أنه كان يبالغ في احتمال الأذى والصبر على المساءة، وكان رجل في حنكة عبد الملك بن مروان ذلك منه دهائا، كما قال في بعض خطبه: «ما أنا بالخليفة المستضعف يعني عثمان، وما أنا بالخليفة المداهن يعني معاوية، وما أنا بالخليفة المأفون يعني يزيد.» ومما يدل على أن الفخر بالحلم دخل في دعاية الخصومة بين معاوية وعلي خاصة؛ أننا لا نسمع به بعد تأسيس الدولة، ولا يفخر به أحد من الأمويين غير الفرع المؤسس الدولتهم في إبان النزاع الأول على الخلافة. فالمعلوم أن بني أمية قرعان: فرع حرب، وقرع أبي العاص، وإلى حرب ينتمي أبو سفيان وابنه معاوية، وإلى أبي العاص ينتمي مروان بن الحكم ومن خلفه من ذريته، وفي مقدمتهم ابنه عبد الملك وحفيده سليمان بن عبد الملك . فالمفاخرة بالحلم إنما كانت تجري على لسان معاوية، ولم تجر بعده على لسان المروانيين تأسست الدولة الأموية، وأستغنى القائمون بها عن مقابلة فضائل علي بن أبي طالب بفضائل «سياسية» يرجحون بها أنفسهم في ميزان الخصومة.

سورة: بالفتح: الحدة والشدة. " الاستطالة، استطال على القوم: رفع نفسه عليهم وغلبهم وقهرهم.

00

55