صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/63

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

إلا أن حديثا واحدا من أحاديث بني هاشم يخالف هذا النمط، ولا يستقيم مع سائر هذه الأحاديث، فلم يكن البادئون به من جلساء معاوية، ولا من آل البيت، ولكن البادئ به معاوية نفسه على نحو لا يشبه طريقته المأثورة من التقية۱۹ والمداراة، وليس فيه نفع له في شأن من شئون الملك، أو خاصة من خواص أمره تستوجب ذلك الحديث. قيل: إنه تحدث إلى ابن عباس، فقال له: إن في نفسي منكم لحزازات ۲۰ يا بني هاشم، وإني لخليق أن أدرك فيكم الثأر وأنفي العار، فإن دماءنا قبلكم وظلامتنا فيكم، فقال له ابن عباس: والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة، لا يفثأها كثرة السلاح ولا تعضها نكاية الجراح، يضعون أسيافهم على عواتقهم، ويضربون قدما قدما من ناوأهم . إلى أن قال في رواية الرواة: «فلتكونن منهن بحيث أعددت رير للهرب فرسك، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك، ولولا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم ورفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء وما أقول هذا لأصرفك عن عزيمتك، ولا لأزيلك عن معقود نيتك، ولكنها الرحم تعطف عليك، والأواصر توجب صرف النصيحة إليك.» فقال معاوية: لله درك يا بن عباس، ما تكشفت الأيام منك إلا عن سيف صقيل ورأي أصيل، والله لو لم يلد بنو هاشم غيرك لما نقص عددهم ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم. ده و وإن دواعي الشك في مثل هذا الحديث لكثيرة، لولا أن التلفيق فيه أعسر من أن يتاح لكل راوية يضع الكلام على كل لسان، ولا يبالي أ موضعه من القائل والمجيب. فإن كان معاوية قائلا مثل ذلك المقال لأحد من بني هاشم؛ فإنما يقوله لعبد الله بن عباس دون غيره، فإنه حديث داهية يسبر ۲ به غور داهية يقارنه من بيت خصومه، وإنه مع ذلك قرين تجمعه آصرة القرابة بآل علي، ولا تجمعه بهم آصرة المودة والموافقة جد الموافقة على الوجهة، وقد تخلى ابن عباس عن ولاية ابن أبي طالب، ووقعت بينهما الجفوة التي لم تصلحها حوادث الأيام بعد ذلك، ولا منافسة بين علي وأبنائه في حياته و التقية: إظهار الموافقة وإضمار نقيضها. حزازات: الحزازة بفتح الحاء: وجع في القلب من غيظ ونحوه

يسبر غوژاء سير الجرح ونحوه: قاسه وامتحن غوره ليعرف مقداره، والأمر اختبره، والغور: العمق

62