صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/72

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الحلم

الحلم وتعود إلى تاريخ معاوية فيما قاله وفيما سكت عن قوله منذ نشأته الأولى، فلا نجد فيه أثرا واحدا لطبيعة الغضب التي تمتحن بها فضيلة الحلم كما امتحنت في نفس الرجل الحزين في صدمة الثكل، وهو المقتحم المغوار في الجاهلية والإسلام. ونخال أن التاريخ لم يحفظ لنا غير حادث واحد يفتح لنا مغاليق هذه الخليقة في طوية الرجل، فإنها في الحق لغز لا يكفي لحله مجرد القول بالحلم أو الغضب المكبوت أو بطول الأناة، وإنما يحله علم النفس الحديث على النحو الوحيد الذي يعطينا منه معنی مفهوما على وجه من الوجوه ذلك الحادث هو مقتل حجر بن علي وأصحابه لغير ضرورة عاجلة، ولا مصلحة آجلة، فما كان له من خطب غير أنه واحد من أولئك الذين قال فيهم معاوية: إنه لا يحول بينهم وبين ألسنتهم؛ لأنهم لا يحولون بين بني أمية وملكهم، فإن كان لا بد من إسكاته فقد يسكته أن يحملوه إلى مكان لا يلقى فيه من يستمع إليه. قال ابن الأثير بعد أقاويل شتى: «إن زیادا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر بن عدي: الصلاة؟ ... فمضى في خطبته ... فقال: الصلاة! . فمضى في خطبته فلما خشي حجر بن عدي قوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من حصى، وقام إلى الصلاة، وقام الناس معه، فلما رأى زیاد ذلك نزل فصلي بالناس، وكتب إلى معاوية وكثر عليه، فكتب إليه معاوية ليشده بالحديد ويرسل إليه، فلما أراد أخذه قام قومه ليمنعوه، فقال حجر: لا، ولكن سمعا وطاعة، فشد في الحديد وحمل إلى معاوية، فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: أأمير المؤمنين أنا؟ ... والله لا أقيلك ۲۲ ولا أستقيلك ۲۲ ... أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال حجر للذين يلون أمرہ: دعوني حتى أصلي ركعتين، فقالوا: صل، فصلى ركعتين خفف فيهما، قال: لولا أن تظنوا غير الذي أردت لأطلتهما، وقال لمن حضر من قومه: والله لا تطلقوا عني حديدا ولا الماء فإني لاق معاوية غدا على الجادة، وضربت عنقه» ودهش الناس لهذه المقتلة الجزاف، واهتز لها العالم الإسلامي هزة عنيفة أورثته مبغضة لدولة بني أمية من تلك المبغضات التي كمنت وطالت حتى نسيت أسبابها تغسلوا عني ۲۲ أقيلك: أقال الله عثرته: رفعه من سقطته.

۲۲ أستقيلك: استقال الرجل صاحبه: طلب إليه أن يقيله.

71