صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/86

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
خليقة أموية

رضي الله عنه قد أجاز لنفسه من المتعة الدنيوية ما لم يجزه الفاروق، ولكنه لم يحدث نفسه قط باقتناء الخصيان والجواري على سنة القياصرة والشواهين، ولولا تلك الخليقة الأموية التي تمادى بها اتساع الملك في أهوائها وغواياتها، لما فات رجلا وسط الذكاء - أن هذه التربية لا تعد إنسانا لحياطة الملك المنتزع بالحيلة والحول، قبل استقرار الأمور بين مطامع الأقرباء من العشيرة فضلا عن الغرباء. أمي وكان معاوية ينازع طبعه بين الخليقة الأموية وبين آداب الدين الذي يتولى خلافته، فينزل بنفسه درجات دون منزلة الخلفاء الراشدين؛ لافتتانه بالدنيا وأستسلامه لغوايتها، وله أكثر من كلمة في هذا المعنى يقول في بعضها: «إن أبا بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، أما أنا فقد تضجعتها ظهرا البطن وانقطعت إليها فانقطعت لي ويقول في بعضها من خطبة بالمدينة: «إن أبا بكر رضي الله عنه – لم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردهاء وأما عثمان فنال منها ونالت منه، وأما أنا فمالت وملت بها، وأنا ألبنها فهي أ وأنا أبنها، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم.» وكأنما كان يشهد على نفسه هذه الشهادة تواضعا من جهة، وتزكية لقدرته على الملك الدنيوي من جهة أخرى، فإن كان الرعية لا يرتضونه قدوة للصلاح والتقوى، فهم مرتضوه مديرا لشئونهم وقائما على مصالح دنياهم. ويشعر معاوية بالمنازعة بين الخليقة الأموية وآداب المروءة العربية، كما يشعر بالمنازعة بينها وبين آداب الدين، فإن طالب السيادة يكره أن ينزل في منزلة دون منازل الشرف والكرامة بين قومه، فإن لم يكره ذلك حبا للخلق المأثورة فلعله يكرهه حبا لنفسه، وغيرة على سيادته وعلوه في نظر المكبرين لآداب المروءة، سواء تحلوا بها أو تجردوا منها. ومن نوادر معاوية في هذه المنازعة المتكررة بين خلائق عشيرته، وآداب العرب عامة أنه جلس يوما مع خاصته يسألهم فيما بقي له ولهم من لذات الحياة بعد ذهاب الشباب، فإذا هي عنده لذات لا تعدو مذاق الشراب السائغ وسروره بالنظر إلى بنيه

6 ألبنها: لبن يلبن الراعي الغلام: سقاه اللبن.

85