صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/87

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

ثم قال: فما ثم نبهه منبه إلى إسفافه هذا، فانتبه ولم يكابر طبعة؛ لأن الأمر وراء المكابرة بإجماع العرف وإجماع الدين روى الواقدي أن عمرو بن العاص «دخل يوما على معاوية بعدما كبر ودق ومعه مولاه وردان، فأخذا في الحديث وليس معهما أحد غير وردان، قال عمرو: يا أمير المؤمنين! ما بقي مما تستلذه؟ فقال: أما النساء فلا أرب لي فيهن، وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهي بها جلدي فما أدري أيها ألين، وأما الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب، وذكر مثل ذلك عن الطيب وغيره من مناعم الحياة، شيء عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بني وبني بني يدورون حولي. وعطف معاوية سائلا: فما بقي منك يا عمرو؟ قال عمرو: مال أغرسه فأصيب من ثمرته ومن غلته. فالتفت معاوية إلى وردان، فقال: ما بقي منك يا وردان؟ قال وردان: صنيعة كريمة سنية أعلقها في أعناق قوم ذوي فضل واصطبار لا يكافئونني بها حتى ألقى الله تعالى، وتكون لعقبي في أعقابهم بعدي فقال معاوية: تبا لمجلسنا سائر اليوم ... إن هذا العبد غلبني وغلبك خليقة أموية عربية، مضي الرجل على سجيته فلم يخطر له أن يستبقي من متاع الدنيا الذي عجز عنه إلا شيئا يذاق، وشيئا يسره من النظر إلى ذريته، ثم نبه المنبه إلى المكرمات المأثورة فلم يجحدها ولم يعزب عنه حميد أثرها. وإن شئت فقل: خليقة أموية وكفى ... فإن من أثرة ما يوحي إلى صاحبه ألا ينزل طواعية عن مأثرة يرتفع بها غيره، ولا يسعه أن ينكرها. وهكذا كانت الخليقة الأموية مع المروءة العربية في كل مأثرة محمودة بين عشائر العرب الكبرى، وبين العرب خاصة وعامة، وأولها مناقب الشجاعة والكرم والنخوة، فما كان في وسع بني أمية أن يغمضوا أعينهم عن هذه المناقب، ولا أن يصغروا من حقها، ولكن التسليم للمنقبة شيء والجهد في تحصيلها شيء آخر ... ولهذا مضى تاريخ بني أمية في الجاهلية وليس بينهم واحد معدود حين يعد العرب فرسانهم المقدمين وأجوادهم المشهورين، وذوي النجدة من صفوة عشائرهم ونخبة ساداتهم، وظهر فيهم الشجعان في صدر الإسلام كيزيد بن أبي سفيان، وهو أخ غير شقيق لمعاوية، ولكنه لا عندهم ولا عند غيرهم من فرسان هاشم في جيل وأحد، كعلي وحمزة.

86