صفحة:Al-Ḥurrīyah Journal, vol.1-2, 15-07-1924.pdf/103

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
١٠١
الشخصية الكتابية في العراق

ولا أخالك تحتاج إلى عناء كبير لتفهم ماذا أريد بالشخصية الكتابية. فهي من لفظها تدل على أنها حالة منسوبة إلى الشخص وهي الصفة التي يتميز بها عن غيره. فإذا قلت لك «زيد» كثير التأنق في ملبسه ومسكنه بل ومأكله ومشربه، ميزته بصفات لا توجد عند المهمل نفسه في الملبس والمسكن والمأكل والمشرب، وإذا نقلت إليك حديث رجل «مشعار» يكبر به الجمال البارع وبسحره الصوت الرخيم، فكأني ذكرت لك من أوصافه ما يمتاز بها عن كثير من أقرانه. هذه هي الشخصية في الخلق وكذلك قل عن الشخصية في الأدب: تلك الخصائص التي يتميز بها العصر أو البلد أو الفرد إذا أردنا أن ندرس مظاهر الأدب في أحد هذه المجالي الثلاثة. ولا أدب ممتاز بلا شخصيات أدبية ممتازة. لأن للشخصية أكبر الأثر في كتابة الكتاب، والغربيون كثير والتدقيق في هذا الأمر حتى إنهم جنوا بالفكرة التي ابتدعها بوفون Buffon وقال فيها «الإنشاء هو الرجل» أو «الإنشاء مرآة الإنسان» « Le style est l 'homme» واتخذوها قاعدة يفاضلون بها الكتاب ويقيسون نفسيتهم وأساليبهم وسائر خصائصهم.

والشخصية الكتابية لا تخضع للكاتب العادي أو فوق العادي بمقدار، إنما هي منحة تمنح لأولئك النابغين من الكتاب المتفوقين بأساليبهم الأخاذة وطرائقهم التفكيرية والبيانية الواضحة، فالشخص العادي لا يظهر أثر من شخصيته طالما هو يقوم ويقعد ويسير ويأكل ويشرب وينام نظير ما يفعل غيره من غير أن يكون له ما يجتذب الالتفات إليه ولا ما يستوقف النظر من حركة أو سكنة. أما الشخص الممتاز فهو الذي يجتذبك بحياته وسلوكه، لذلك عني الناس بتبع حركات العبقريين والنوابغ وأوغلوا في تحليل حياتهم اليومية في ما جل وتفه من الأمور. من هنا تبين لنا أن الشخصية والعبقرية متلازمتان تقوم الأولى بالثانية ويبدو ظل الثانية على الأولى.

( لها تلو )
رفائيل بطلي

بين