صيد الخاطر/فصل: في الفرق بين اللغة والنحو
فصل: في الفرق بين اللغة والنحو
عدلاعلم أن الله عز وجل وضع في النفوس أشياء لا تحتاج إلى دليل. فالنفوس تعلمها ضرورة، وأكثر الخلق لا يحسنون التعبير عنها. فإنه وضع في النفس أن المصنوع لا بد له من صانع، وأن المبنى لا بد له من بان، وأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالة واحدة. ومثل هذه الأشياء لا تحتاج إلى دليل. وألهم العرب النطق بالصواب من غير لحن، فهم يفرقون بين المرفوع والمنصوب بأمارات في جبلتهم، وإن عجزوا عن النطق بالعلة. قال عثمان بن جني: سألت يوما أبا عبد الله محمد بن عساف العقيلي فقلت له: كيف تقول ضربت أخوك؟ فقال: أقول ضربت أخاك. فأدرته على الرفع فأبى وقال لا أقول أخوك أبدا. قال فكيف تقول ضربني أخوك؟ فرفع، فقلت: أليس زعمت أنك لا تقول أخوك أبدا؟ فقال: إيش هذا، اختلفت جهتها في الكلام. وهذا أدل شيء على تأملهم مواقع الكلام، وإعطائهم إياه في كل موضوع حقه، وإنه ليس إسترسالا ولا ترخيما. قال عثمان: واللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، والنحو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره، كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل اللغة أهلها.