صيد الخاطر/فصل: كن حكيما إزاء النعم
فصل: كن حكيما إزاء النعم
عدلينبغي لمن تظاهرة نعم الله عز وجل عليه أن يظهر منها ما يبين أثرها، ولا يكشف جملتها، وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها، فإن العين حق. وإني تفقدت النعم فرأيت إظهارها حلوا عند النفس، إلا أنها إن أظهرت الوديد لم يؤمن تشعث باطنه بالغيظ. وإن أظهرت لعدو فالظاهر غصابته بالعين لموضع الحسد، إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم، فإنه في حال البلاء يتشفى، وفي حال النعم يصيب بالعين. ولعمري إن المنعم عليه يشتهي غيظ حسوده، ولكنه لا يؤمن أن يخاطر بنعمته، فإن الغالب إصابة الحاسد لها بالعين فلا يساوي الا لتذاذ بإظهار ما غيظ به ما أفسدت عينه بإصابتها. وكتمان الأمور في كل حال فعل الحازم، فإنه إن كشف مقدار سنة استهرموه إن كان كبيرا وإحتقروه إن كان صغيرا، وإن كشف ما يعتقدناصبه الأضداد بالعداوة. وإن كشف قدر ماله استحقروه إن كان قليلا وحسدوه إن كان كثيرا وفي هذه الثلاثة يقول الشاعر.
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة بمموه وممخرق ومكذب
وقس على ماذكرت مالم أذكره ولا تكن من المذاييع الغر الذين لا يحملون أسرارهم حتى يفشوها إلى من لا يصلح. ورب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.