عبقرية محمد (1941)/محمد في التاريخ



محمد في التاريخ


اتصال التاريخ بمحمد

أردنا بالفصول المتقدمة أن نصف محمدا في عبقريته ، أو محمدا في نفسه ، أو محمدا في مناقبة التي يتفق على تعظيمها من يدين برسالته الدينية ، ومن لا پله ين برسالة ونريده بهذا الفصل . مس وهو خاتمة الكتاب ب أن نذكر كلمة موجزة عن محمد في التاريخ ، أو محمد في العالم وأحداثه الخالدة ، وهو بحث يغنينا فيه الايجاز ، لأن العالم كله صفحات تنبئنا بمكان محمد فيه محمد في نفسه عظیم بالغ في المنظمة وفاقا لكل مقياس صحيح يقاس به العظيم عند بني الإنسان في عصور الحضارة • فما مكان هذه العظمة في التاريخ ؟ ما مكانها في العالم و أحداثه الباقية على تعاقب (۱) العصور ؟ مكانها في التاريخ : أن التاريخ كله بعد محمد متصل به مرهون بعمله ، وأن حادثا واحدا من أحداثه الباقية لم يكن ليقع في الدنيا كما وقع لولا ظهور محمد وظهور عمله فلا فتوح الشرق والغرب ، ولا حرکات اوربا في العصور الوسطى ، ولا الحروب الصليبية ، ولا نهضة العلوم بعد تلك الحروب ، ولا كشف القارة الأمريكية ، ولا مساجلة الصراع بين الأوربيين والآسيويين والافريقيين ، ولا الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات ، ولا الحرب العظمى التي شهدناها قبل بضع وعشرين سنة ، ولا الحرب الحاضرة التي نشهدها في هذه الأيام، ولا حادثة قومية أو عالمية مما يتخلل ذلك جميعه كانت، واقعة في . + ان اي توالی ۰ ۱۵۲ الدنيا كما وقعت لولا ذلك اليتيم الذي ولد في شبه الجزيرة العربية بعد خمسمائة واحدى وسبعين سنة من مولد المسيح كان التاريخ شيئا فأصبح شيئا آخر ، توسط بينهما ولید مستهل في مهده بتلك الصيحات التي سمعت في المهود عداد من هبط من الأرحام الى هذه الغبراء (۱) ما أضعفها يومئذ صيحات في الهواء ما أقواها بعد ذلك أثرا في دوافع التاريخ ما أضخم المعجزة وما أولانا أن نؤمن بها كلما مضت على ذلك المولد أجيال وأجيال ، وما أغنانا أن نبحث عنها قبل ذلك پسنين حيثما يبحث عنها المنجمون والعرافون

فتوح ایمان

على أننا نستعظم الأحداث العظام في تاريخ بني الإنسان بمقدار ما فيها من فتوح الروح ، لا بمقدار ما فيها من فتوح البلدان . وجائز أن يقع في الدنيا طوفان أو زلزال فيتصل به من أحداث الزحوف والفتوح ما يبدل في التاريخ ، ويبعث دوافع الشعوب أما غير الجائز فهو أن تنفتح للانسان آفاق جديدة من عالم الضمير بغير عظمة روحية يوحيها الإيمان ، و بغير رسالة باطنية تسبق هذه الظواهر التي تهول الأنظار ولقد فتح الاسلام ما فتح من بلدان لأنه فتح في كل قلب من قلوب أتباعه عالما مغلقا تحيط به الظلمات ، فلم يزد الارض بما استولى عليه من أقطارها ، فان الارض لا تزيد بغلبة سيد على سيد أو بامتداد التخوم (۲) وراء التخوم ، ولكنه زاد الانسان أطيب زيادة يدركها في هذه الحياة ، فارتفع به مرتبة فوق طباق الحيوان السائم ، ودنا به مرتبة الى الله يدين بهذه الحقيقة كل من يدين بحقيقة في عالم الضمير فمن أنكرها فانما ينكر تقدم الانسان كثيرا أو قليلا في هذه 6 الطريق عقد عالم اور بي مقارنة بين محمد و بوذا والمسيح فسال : اس الارضي - الحدود . اليس محمد نبيا على وجه من الوجوه ؟ » ثم أجاب قائلا : «انه على اليقين لصاحب فضيلتين من فضائل الأنبياء : فقد عرف حقيقة عن الله لم يعرفها الناس من حوله ، وتمكنت من نفسه نزعة باطنية لا تقاوم لنشر تلك الحقيقة ، وانه لخليق (۱) في هذه الفضيلة أن يسامي أوفر (۲) الأنبياء شجاعة و بطولة بين بنی اسرائیل ، لأنه جازف بحياته في سبيل الحق ، وصبر على الايذاء يوما بعد يوم عدة سنين ، وقابل النفي والحرمان والضغينة (3) ، وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة ، فصابر علی الجملة قصارى (4) ما يصبر عليه انسان دون الموت الذي نجا منه بالهجرة ، ودأب (5) مع هذا جميعه على بث (6) رسالته غير قادر على اسكاته وعد ولا وعید ولا اغراء وربما اهتدي إلى التوحيد أناس آخرون بين عباد الأوثان ، الا أن أحدا آخر غير محمد لم يقم في العالم مثل ما أقام به من ایمان بالوحدانية دائم مكين ، وما أتيح له ذلك الا لمضاء عزمه أن يحمل الآخرين على الايمان . فاذا سأل سائل : « ما الذي دفع بمحمد الى اقتناع غيره حيث رضي الموحدون بعبادة العزلة ؟ فلا مناص لنا أن نسلم أنه هو العمق والقوة في ايمانه بصدق ما دعا اليه » والحقيقة التي يراها المنصف مسلما كان أو غير مسلم ، هي هذه : هي أن فتوح محمد فتوح ایمان ، وأن قوة محمد قوة ایمان ، وأنه ما من سمة لعمله أوضح من هذه السمة ، ولا من تعليل لها أصدق من هذا التعليل . لقد جاء الاغراء الذي أشار اليه العالم الأوربي وهو داع مهدد في سربه ، وجاءه وهو عزيز الشأن بين المؤمنين بدعوته ، فيا حفل (۷) بالاغراء و هو بعيد من مقعده ، ولا حفل به وهو واصل اليه جاءه سيد قومه عتبة بن ربيعة وهو في مبدا أمره فقال له واعدة ملطفا بعد أن أعياهم (۸) تخويفه متوعدين : « يا ابن أخي ، انك منا حيث قد علمت من خيارنا حسبا و نسبا ، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ، وسفهت أحلامهم وعبت آلهتهم ودينهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني < 6 6 او الجدير ؟ - أعظمهم واكثرهم ۳ - الحقد - اي غاية و - بابه من عمله : جد وتعب - نشر ۷ - اي اهتم 4 - اجهدهم : ۱۰ أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها . فقال عليه السلام : قل يا أبا الوليد . فقال : يا ابن أخي ! ۰۰ آن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد شرفا سود ناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وان كان الذي يأتيك ردیا(۱) من الجن لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، و بذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه » . فما زاد عليه السلام على أن أجابه بآيات من القرآن الكريم ثم تر که يعود كما أتی 6 ثم أدرك النبي غاية ما سعى اليه فلم يدخل له المال ولا المتاع في حساب ، ولم يكن التعيم المستطاع أفعل في اغرائه من النعيم الموعود ، بل كان النعيم المستطاع فوق ما حلم به عتبة بن ربيعة وكان النبي أزهد فيه من زهره في النعيم الموعود فلم كل هذا ؟ لم هذا الجهاد ؟ و لم هذا العناء (۲) ؟ ولم هذا الصبر ان لم يكن في سبيل الايمان ؟ وأي نبي له من الايمان شفاعة أكبر من هذه الشفاعة ، ورسالة أكبر من هذه الرسالة ؟۰۰ وأي انسان يعرف تعظيم الأنبياء ان لم تظفر نبوة محمد عنده . بالتعظيم ؟ التاريخ هو فيصل التفرقة بين محمد وشانئيه (۳) : حكمه أنفذ من حكم الشانئين والاصدقاء ، وأنفذ من حكم المشركين والموحدين ، و أنفذ من حكم المتدينين و الملحدين وقد حكم له أنه كان في نفسه قدوة المهد بين ، وكان في عمله أعظم الرجال أثرا في الدنيا ، و كان في عقيدته مؤمنا يبعث الايمان ، مصاحب دين يبقى ما بقيت في الأرض أديان - و سيطلع في الأفق هلال و يغيب هلال ، و سيذهب في الليل قمر ويعود قمر ، وتتعاقب هذه الشهور التي كأنها جعلت التاريخ ما بين الصدور، لأن الناس لا يؤرخون بها مواسم الزرع ، ولا مواعد الاشغال ، ولا أدوار الدواوين والحكومات ، ولا ينتظرونها الا هداية مع الظلام ، وسكينة مع الليل : أشبه شيء بهداية العقيدة في غياهب (4) الضمير 4 أنه حكم الله . . ده 9 . ا- هسا 2- التعب ۳ - حيفضية - اي ظلمات . 100 الحمد هو الي يوم كان 4 كان الغار ستطلع الأقمار بعد الأقمار ، وتقبل السنة القمرية بعد السنة القمرية ، و كأنها تقبل بمعلم من معالم السماء يوميء (۱) الى بقعة من الارض : هي غار الهجرة ، أو يومي اجمل أيام . محمد ، لأنه أدل الأيام على رسالته، و أخلصها لعقيدته ورجاء سريرته ، وهو يوم التقويم الذي اختاره المسلمون بالهام لا يعلوه تفكير ولا تعلیم الم الهجرة ابتداء التاريخ في الاسلام ، ولم يكن يوم الدعوة ؟ ولم لم يكن يوم بدر ، ، أو ولادة النبي ، أو يوم حجة الوداع يوم ابتداء التاريخ .. كل يوم من هذه الأيام في ظاهر الرأي و عاجل النظر أولى بالتاريخ والتمجيد من يوم الفرار بالنفس والعقيدة في جنح الظلام فالرجل الذي اختار يوم الهجرة بدءا لتاريخ الاسلام قد كان أحكم وأعلم بالعقيدة والايمان و مواقف الخلود من كل مؤرخ و كل مفكر يرى غير ما رآه لأن العقائد انما تقاس بالشدائد، ولا تقاس بالفوز والغلب: كل انسان يؤمن حين يتغلب الدين وتفوز الدعوة ، أما التفس التي تعتقد حقا ، و يتجلى فيها انتصار العقيدة حقا فهي النفس التي تؤمن في الشدة وتعتقد ومن حولها صنوف البلاء وليس أحق بالتاريخ اذن من اليوم الذي هجر فيه النبي بلده ۰۰۰ و اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في النار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا . فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة العليا والله عزيز حكيم (۲) ليقل من قال : ان التوقيت بما قبل الهجرة وما بعدها كان توقيتا معروفا على عهد النبي عليه السلام .. وليقل من قال : آن دخول المدينة هو المقصود بالتاريخ من الهجرة عظيم ليقل من قال هذا أو ذاك ، فان تاريخ النصر في القرآن ظاهر اذ هو « ثاني اثنين » في النار ا 9 « ، وهو يوم اس يضير 1- الآية : 44 من سورة التوبة - 101 وان ابن الخطاب لنبيل ملهم الفؤاد - سواء كار هو المقترح او مجیب الاقتراح . حين نظر إلى غار « ثور » ولم ينظر في التاريخ الى نصر المدينة ولا إلي نصر بدر ، ولا الى نصر أحد ، ولا الى نصر فارس ، ونظر الى تلك « الجنود التي لم تروها » وقد نراها نحن الآن يوم الدعوة لم يكن يوم الاسلام الاول ، لأن الدعوة كلمة يستطيعها كل انسان ، و يستطيع النكول (1) عنها بعد قليل أو كثير . ويوم میلاد النبي لم يكن يوم الاسلام الاول ، لأن ميلاد محمد لم يكن معجزة الإسلام كما كان ميلاد عیسی معجزة المسيحية ، ولأن محمد بشر مثلنا في مولده ولكنه سيد الرسل ، يوم دعا ، و يوم تجا بالدعوة إلى حيث تنجو و حیث تسود، وحيث يكون امتحانها الأول في قلب صاحبها وقلب صاحبه الصديق ، وهما اثنان في غار كذلك تؤرخ العقائد والأديان : بالشدة تاريخها ، وليس بالغنائم والفتوح وانها لشيء في القلوب ، فلنعرفها اذن حين لا تكون الا في القلوب ، وحين يكون كل شيء ظاهر كأنه ينكرها وينفي وجودها وهي يومئذ من الوجود في الصميم عقيدة ورجاء الغار ليوم له عبر ته وعزاؤه في كل يوم ولا سيما ایام القلق والحيرة والانتظار عقيدة : فهو يوم رجاء ، ويوم نظر الى المستقبل الذي ينظر اليه من ليس له رضي في حاضر عهده ، وحاضر العالم في عهده لا يرضى أحدا من محبيه حیشما غلبت الحيرة والقلق في العالم فهنالك أمر واحد کن منه على أتم اليقين : كن على يقين أن العالم يبحث عن عقيدة روحية ! لأنه يضيق بالحاضر و ينظر إلى المستقبل ، و كل مستقبل فلا محل له من جوانح الصدور ان لم يكن موضع رجاء و مرجع ایمان ، وغاية سعي يستحق الكفاح و في التاريخ الانساني كله لم تقم قط حركة عظيمة على الماضي الذي لا مستقبل بعده، الحركات العظمی جمیعا على الر جاء في غد محجوب (۲) اس النكوض والرجوع ۴. مستور غير مرئي ' انه انما تقوم 10V او على شيء يمكن أن يتحقق في حياة الانسان ، وشيء يبقى ابدا موضع الرجاء البعيد لقد كان علي فتى يستقبل الدنيا ، وكان أبو بكر کھلا پد بر عنها أعانا محمدا في يوم حراء ولكنهما كانا معا على أبواب غد واحد ورجاء واحد ، يستوي فيه الفتي والكهل والشيخ الدالف (۱) الى قبره ، لأنه رجاء الإيمان لا رجاء المیان (۲) - المستقبل للايمان ماذا فتح الاسلام لأبي بكر من عوالم الحياة ؟ هل رجع به إلى الماضي ، أو أقبل به على المستقبل ؟ هل مشي به في حركة الى أمام أو قفل (۳) به في رجعة الى وراء ؟ الحق أن الاسلام مثل المستقبل للشيخوخة كما مثل المستقبل للشباب ، وانفصل من حالة لا تبقى ليتصل بحالة يرجي لها البقاء ، و كان يفتح أمام أبي بكر - وليس أمام علي وحده - باب الحياة الصالحة في الدنيا ، و باب الحياة الخالدة في الآخرة .. وهكذا كل عقيدة فما هي بعقيدة على أي معنى من معاني الاعتقاد أن كان خيرها كله شيئا يناله الانسان في أيامه .. فلا مناص في العقيدة من خير وراء أيام الفناء . ليذكر هذا جميعه من يتحفزون (4) للنهوض ومن يبتغون الحركة، و يقودون الخطوات المقبلة في عجلة أو أناة (5) لن تتحرك أمة الا اذا فتحت أمامها باب المستقبل، ولن تلتفت الى الماضي الا اذا كان التقاء بالمستقبل ، ولن تعيره الحياة الا وهو مبعوث من جديد في صورة الخلق الجديد ليذكر هذا من يحارون في أمر العالم اليوم وهو غارق في دمائه ، ضائق بحاضره ، معرض عن ماضيه. فيم يحار ؟ في طلب المستقبل ، في طلب العقيدة ، في طلب المسوغ للوجود لأن الوجود وحده لا يكفي الانسان الا أن يكون على طبقة مع الحيوان - فالايمان للمستقبل . • و عسى أن يكون المستقبل للايمان أن يجد العالم عزاء باقيا من يوم النار ون صاحب و عسی يوم : النار . ا- الذي يمشي مشي المقيد وفوق الدبيبه - المشاهدة ۲- رجع وعاد - اي پستعدون 5. تمهل وهمسر TOA