فؤاد ما تسليه المدام

​فؤاد ما تسليه المدام​ المؤلف المتنبي


فُـــؤادٌ مـــا تُسَـــلِّيهِ المُــدامُ
وعُمْــرٌ مِثــلُ مــا تَهَـبُ اللّئـامُ
ودَهْـــرٌ ناسُــهُ نــاسٌ صِغــارٌ
وَإنْ كــانَتْ لهــم جُــثَثٌ ضِخـامُ
ومــا أنــا مِنْهُــمُ بـالعَيْشِ فيهِـم
ولكــن مَعْــدِنُ الــذَّهَبِ الرَّغــامُ
أرانِـــبُ غَـــيْرَ أنَّهُــمْ مُلــوكٌ
مُفَتَّحَــــةٌ عُيــــونُهُمُ نِيـــامُ
بأجْســـامٍ يحَـــرُّ القتْــلُ فيهــا
ومــــا أقْرانُهـــا إلا الطَّعـــامُ
وخَــيْلٍ مــا يَخِــرُّ لــه طَعيـنٌ
كـــأنَّ قَنـــا فَوارِســها ثُمــامُ
خَــليلُكَ أنْــتَ لا مَـنْ قُلْـتَ خِـلِّي
وَإنْ كَـــثُرَ التَّجَـــمُّلُ والكَـــلامُ
ولــو حِــيْزَ الحِفـاظُ بِغَـيْرِ عَقْـلٍ
تَجَــنَّبَ عُنْــقَ صَيْقَلِــهِ الحُســامُ
وَشِــبْهُ الشَّــيءِ منْجَــذِبٌ إلَيْــهِ
وأشْــــبَهُنا بِدُنْيانـــا الطَّغـــامُ
ولـــو لَــمْ يَعْــلُ إلاَّ ذو مَحَــلٍّ
تَعــالى الجَــيْشُ وانْحَــطَّ القَتــامُ
ولـــو لَــمْ يَــرْعَ إِلاَّ مُســتَحِقٌ
لِرُتْبَتِــــهِ أســـامَهُمُ المُســـامُ
ومَــنْ خَــبَرَ الغَــواني فـالغَواني
ضِيـــاءٌ فــي بَواطِنِــهِ ظَــلامُ
إذا كــانَ الشَّــبابُ السُّـكْرَ والشَّـيْـ
بُ هَمّــاً فالحيَــاةُ هِــيَ الحِمــامُ
ومـــا كُـــلّ بمَعْــذورٍ ببُخْــلٍ
ولا كُـــلّ عــلى بُخْــلٍ يُــلامُ
ولــم أَرَ مِثــلَ جــيراني ومِثـلي
لِمِثْـــلي عِنـــدَ مِثْلِهِــمِ مُقــامُ
بِــأرْضٍ مـا اشْـتَهيْتَ رَأيْـتَ فيهـا
فلَيسَ يَفوتُهـــــا إِلاّ الكِـــــرامُ
فهَــلاَّ كــانَ نَقْــصُ الأهْـلِ فيهـا
وكـــانَ لأهْلِهــا مِنهــا التَّمــامُ
بِهــا الجَـبَلانِ مِـنْ صَخْـرٍ وفَخْـرٍ
أنافـــا ذا المُغيـــثُ وذا اللُّكــامُ
ولَيْسَــتْ مِــنْ مَواطِنِــهِ ولكِــنْ
يَمُــرُّ بِهــا كمــا مَــرَّ الغَمــامُ
سَــقى اللــهُ ابْــنَ مُنْجِبَـةٍ سَـقاني
بِـــدَرّ مـــا لِراضِعِــهِ فِطــامُ
ومَــنْ إِحــدى فَوائِــدِهِ العَطايــا
ومَــنْ إحْــدى عَطايــاهُ الذِّمــامُ
وقــد خَــفِيَ الزَّمــانُ بِـهِ علينـا
كَسِـــلْكِ الــدُّرِّ يُخْفيــهِ النِّظــامُ
تَلَــذُّ لَــهُ المُــروءةُ وَهْـيَ تُـؤْذي
ومَــنْ يَعْشَــقْ يَلَــذُّ لَــهُ الغَـرامُ
تعَلُّقَهـــا هَـــوى قَيْسٍ لِلَيـــلى
وواصَلَهـــا فلَيْسَ بِـــهِ سَـــقامُ
يَــروعُ رَكانــةً ويَــذوبُ ظَرْفــاً
فمـــا يُــدْرى أشَــيْخٌ أَمْ غُــلامُ
وتَمْلِكُـــهُ المَســائِلُ فــي نَــداهُ
وأَمَّــا فــي الجِــدالِ فــلا يُـرامُ
وقبْــضُ نَوالِــهِ شَــرَفٌ وَعِــزٌّ
وقَبْــضُ نَــوالِ بَعْــضِ القَـومِ ذامُ
أقــامَتْ فــي الرِّقــابِ لَـهُ أيـادٍ
هِــيَ الأطــواقُ والنُّــاسُ الحَمـامُ
إذا عُــدَّ الكِــرامُ فتِلــكَ عِجْــلٌ
كَمــا الأنــواءُ حــينَ تُعَـدُّ عـامُ
تَقــي جَبَهــاتُهُمُ مــا فـي ذَراهُـمْ
إِذا بِشـــفارِها حَـــمِيَ اللّطـــامُ
ولــو يَمَّمْتَهُــمْ فـي الحَشْـرِ تَجـدو
لأعْطَــوْك الّــذي صَلُّـوْا وصـاموا
فــإنْ حَــلُموا فــإنَّ الخَـيْلَ فيهِـمِ
خِفــافٌ والرِّمــاحَ بهــا عُــرامُ
وعِنْـــدَهُمُ الجفِـــانُ مُكَـــلّلاتٍ
وشَــزْرُ الطَّعْــنِ والضَّـرْبُ التُّـؤامُ
نُصَـــرِّعُهُم بِأعْيُننـــا حَيـــاءً
وتَنْبــو عــن وُجــوهِهِم السِّــهامُ
قَبيــلٌ يحْــمِلونَ مِــنَ المعــالي
كمــا حَــمَلَتْ مِـنَ الجَسَـدِ العظـامُ
قَبيــلٌ أنْــتَ أنْــتَ وأنْـتَ مِنْهُـم
وجَـــدُّكَ بِشْــرٌ المَلِــكُ الهُمــامُ
لِمَـــن مــالٌ تمزِّقُــهُ العَطايــا
ويُشْــرَكُ فــي رَغائبِــهِ الأنــامُ
ولا نَدْعـــوكَ صاحِبَــهُ فــتَرْضى
لأِنّ بصُحْبَـــةٍ يَجِـــبُ الذّمـــامُ
تُحــــايِدُهُ كــــأنَّكَ ســـامِريٌّ
تصافِحُـــهُ يَـــدٌ فيهــا جُــذام
إذا مــا العــالِمونَ عَــرَوْكَ قـالوا
أفِدْنـــا أيُّهـــا الحِــبرُ الإمــامُ
إذا مـــا المُعْلِمــونَ رَأوْكَ قــالوا
بِهـــذا يُعْلَـــمُ الجَــيْشُ اللُّهــامُ
لقــد حَسُــنَتْ بِـكَ الأوْقـاتُ حـتى
كــأنَّكَ فــي فَــمِ الـزَّمَنِ ابتِسـامُ
وأُعْطيــتَ الَّــذي لـم يُعْـطَ خَـلْقٌ
عَلَيْــكَ صَــلاةُ رَبِّــكَ والسَّــلامُ