​كتاب الأم - الغصب​ المؤلف الشافعي
ملاحظات: الغصب


[أخبرنا الربيع بن سليمان] قال: [قال الشافعي]: إذا شق الرجل للرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا، أو كسر له متاعا فرضه أو كسره كسرا صغيرا أو جنى له على مملوك فأعماه أو قطع يده أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان كله غير الرقيق صحيحا ومكسورا وصحيحا ومجروحا قد برأ من جرحه ثم يعطى مالك المتاع والحيوان فضل ما بين قيمته صحيحا ومكسورا ومجروحا فيكون ما جرى عليه من ذلك ملكا له نفعه أو لم ينفعه، ولا يملك أحد بالجناية شيئا جنى عليه، ولا يزول ملك المالك إلا أن يشاء، ولا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء إلا في الميراث فأما من جنى عليه من العبيد فيقومون صحاحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطون أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من ديته بالغا من ذلك ما بلغ، وإن كانت قيما كما يأخذ الحر ديات وهو حي قال الله عز وجل {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقال {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} فلم أعلم أحدا من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث فإن الله عز وجل نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا. ألا ترى أن الرجل لو أوصي له أو وهب له أو تصدق عليه أو ملك شيئا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء، ولم أعلم أحدا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك أو عتق أو دين لزمه فيباع في ماله، وكل هذا فعله لا فعل غيره قال فإذا كان الله عز وجل حرم أن تكون أموال الناس مملوكة إلا ببيع عن تراض وكان المسلمون يقولون فيما وصفت ما وصفت فمن أين غلط أحد في أن يجني على مملوكي فيملكه بالجناية وآخذ أنا قيمته وهو قبل الجناية لو أعطاني فيه أضعاف ثمنه لم يكن له أن يملكه إلا أن يشاء، ولو وهبته له لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء فإذا لم يملكه بالذي يجوز ويحل من الهبة إلا بمشيئته، ولم يملك علي بالذي يحل من البيع إلا أن أشاء فكيف ملكه حين عصى الله عز وجل فيه فأخرج من يدي ملكي بمعصية غيري لله وألزم غيري ما لا يرضى ملكه إن كان أصابه خطأ وكيف إن كانت الجناية توجب لي شيئا واخترت حبس عبدي سقط الواجب لي وكيف إن كانت الجناية تخالف حكم ما سوى ما وجب لي ولي حبس عبدي، وأخذ أرشه ومتاعي، وأخذ ما نقصه إذا كان ذلك غير مفسد له فإن جنى عليه ما يكون مفسدا له فزاد الجاني معصية لله وزيد علي في مالي ما يكون مفسدا له سقط حقي حين عظم وثبت حين صغر وملك حين عصى وكبرت معصيته، ولا يملك حين عصى فصغرت معصيته ما ينبغي أن يستدل أحد على خلاف هذا القول لأصل حكم الله. وما لا يختلف المسلمون فيه من أن المالكين على أصل ملكهم ما كانوا أحياء حتى يخرجوا هم الملك من أنفسهم بقول أو فعل بأكثر من أن يحكي فيعلم أنه خلاف ما وصفنا من حكم الله عز وجل وإجماع المسلمين والقياس والمعقول ثم شدة تناقضه هو في نفسه. قال: وإذا غصب الرجل جارية تسوى مائة فزادت في يديه بتعليم منه وسن واغتذاء من ماله حتى صارت تساوي ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوي مائة ثم أدركها المغصوب في يده أخذها وتسعمائة معها كما يكون لو غصبه إياها وهي تساوي ألفا فأدركها وهي تساوي مائة أخذها وما نقصها وهي تسعمائة. قال: وكذلك إن باعها الغاصب أو وهبها أو قتلها أو استهلكها فلم تدرك بعينها كانت على الغاصب قيمتها في أكثر ما كانت قيمة منذ غصبت إلى أن هلكت وكذلك ذلك في البيع إلا أن رب الجارية يخير في البيع فإن أحب أخذ الثمن الذي باع به الغاصب كان أكثر من قيمتها أو أقل؛ لأنه ثمن سلعته أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة قط.

[قال الشافعي]: بعد: ليس له إلا جاريته والبيع مردود؛ لأنه باع ما ليس له وبيع الغاصب مردود فإن قال قائل: وكيف غصبها بثمن مائة وكان لها ضامنا وهي تساوي مائة ثم زادت حتى صارت تساوي ألفا، وهي في ضمان الغاصب ثم ماتت أو نقصت ضمنته قيمتها في حال زيادتها؟ قيل له إن شاء الله تعالى لأنه لم يكن غاصبا، ولا ضامنا، ولا عاصيا في حال دون حال لم يزل غاصبا ضامنا عاصيا من يوم غصب إلى أن فاتت أو ردها ناقصة فلم يكن الحكم عليه في الحال الأولى بأوجب منه في الحال الثانية، ولا في الحال الثانية بأوجب منه في الحال الآخرة؛ لأن عليه في كلها أن يكون رادا لها، وهو في كلها ضامن عاص فلما كان للمغصوب أن يغصبها قيمة مائة فيدركها قيمة ألف فيأخذها ويدركها، ولها عشرون ولدا فيأخذها وأولادها، كان الحكم في زيادتها في بدنها وولدها كالحكم في بدنها حين غصبها يملك منها زائدة بنفسها وولدها ما ملك منها ناقصة حين غصبها، ولا فرق بين أن يقتلها وولدها أو تموت هي وولدها في يديه من قبل أنه إذا كان كما وصفت يملك ولدها كما يملكها لا يختلف أحد علمته في أنه لو غصب رجل جارية فماتت في يديه موتا أو قتلها قتلا ضمنها في الحالين جميعا كذلك. قال: وإذا غصب الرجل الرجل جارية فباعها فماتت في يد المشتري فالمغصوب بالخيار في أن يضمن الغاصب قيمة جاريته في أكثر ما كانت قيمة من يوم غصبها إلى أن ماتت فإن ضمنه فلا شيء للمغصوب على المشتري، ولا شيء للغاصب على المشتري إلا قيمتها إلا الثمن الذي باعها به أو يضمن المغصوب المشتري فإن ضمنه فهو ضامن لقيمة جارية المغصوب لأكثر ما كانت قيمة من يوم قبضها إلى أن ماتت في يده ويرجع المشتري على الغاصب بفضل ما ضمنه المغصوب من قيمة الجارية على قيمتها يوم قبضها المشتري وبفضل ممن إن كان قبضه منه على قيمتها حتى لا يلزمه في حال إلا قيمتها. قال: وإن أراد المغصوب إجازة البيع لم يجز؛ لأنها ملكت ملكا فاسدا، ولا يجوز الملك الفاسد إلا بتجديد بيع وكذلك لو ماتت في يدي المشتري فأراد المغصوب أن يجيز البيع لم يجز وكان للمغصوب قيمتها، ولو ولدت في يدي المشتري أولادا فمات بعضهم وعاش بعضهم خير المغصوب في أن يضمن الغاصب أو المشتري فإن ضمن الغاصب لم يكن له سبيل على المشتري وإن ضمن المشتري وقد ماتت الجارية رجع عليه بقيمة الجارية ومهرها وقيمة أولادها يوم سقطوا أحياء، ولا يرجع عليه بقيمة من سقط منهم ميتا، ورجع المشتري على البائع بجميع ما ضمنه المغصوب لا قيمة الجارية ومهرها فقط. ولو وجدت الجارية حية أخذها المغصوب رقيقا له وصداقها، ولا يأخذ ولدها، قال فإن كان الغاصب هو أصابها فولدت منه أولادا فعاش بعضهم ومات بعض أخذ المغصوب الجارية وقيمة من مات من أولادها في أكثر ما كانوا قيمة والأحياء فاسترقهم، وليس الغاصب في هذا كالمشتري. المشتري مغرور، والغاصب لم يغره إلا نفسه وكان على الغاصب إن لم يدع الشبهة الحد، ولا مهر عليه. [قال الربيع]: فإن كانت الجارية أطاعت الغاصب وهي تعلم أنها حرام عليه، وأنه زان بها فلا مهر؛ لأن هذا مهر بغي وقد نهى رسول الله عن مهر البغي وإن كانت تظن هي أن الوطء حلال فعليه مهر مثلها وإن كانت مغصوبة على نفسها فلصاحبها المهر وهو زان وولده رقيق. فإن قال قائل: أرأيت المغصوب إذا اختار إجازة البيع لم لم يجز البيع؟ قيل له إن شاء الله تعالى: البيع إنما يلزم برضا المالك والمشتري ألا ترى أن المشتري وإن كان رضي بالبيع فللمغصوب جاريته كما كانت لو لم يكن فيها بيع، وأنه لا حكم للبيع في هذا الموضع إلا حكم الشبهة، وأن الشبهة لم تغير ملك المغصوب فإذا كان للمغصوب أخذ الجارية، ولم ينفع البيع المشتري فهي على الملك الأول للمغصوب وإذا كان المشتري لا يكون له حبسها، ولو علم أنه باعها غاصب غير موكل استرق ولده فلا ينبغي أن يذهب على أحد أنه لا يجوز على المشتري إجازة البيع إلا بأن يحدث المشتري رضا بالبيع فيكون بيعا مستأنفا فإن شبه على أحد بأن يقول إن رب الجارية لو كان أذن ببيعها لزم البيع فإذا أذن بعد البيع فلم لا يلزم؟ قيل له إن شاء الله تعالى: إذنه قبل البيع إذا بيعت بقطع خياره، ولا يكون له رد الجارية وتكون الجارية لمن اشتراها، ولو أولدها لم يكن له قيمة ولدها؛ لأنها جارية للمشتري وحلال للمشتري الإصابة والبيع والهبة والعتق فإذا بيعت بغير أمره فله رد البيع، ولا يكون له رد البيع إلا والسلعة لم تملك وحرام على البائع البيع وحرام على المشتري الإصابة لو علم ويسترق ولده فإذا باعها أو أعتقها لم يجز بيعه، ولا عتقه فالحكم في الإذن قبل البيع أن المأذون له في البيع كالبائع المالك، وأن الإذن بعد البيع إنما هو تجديد بيع، ولا يلزم البيع المجدد إلا برضا البائع والمشتري وهكذا كل من باع بغير وكالة أو زوج بغير وكالة لم يجز أبدا إلا بتجديد بيع أو نكاح. فإن قال قائل لم ألزمت المشتري المهر ووطؤه في الظاهر كان عنده حلالا وكيف رددته بالمهر وهو الواطئ؟ قيل له إن شاء الله تعالى: أما إلزامنا إياه المهر فلما كان من حق الجماع إذا كان بشبهة يدرأ فيه الحد في الأمة والحرة أن يكون فيه مهر كان هذا جماعا يدرأ به الحد ويلحق به الولد للشبهة، فإن قال: فإنما جامع ما يملك عند نفسه قلنا فتلك الشبهة التي درأنا بها الحد، ولم نحكم له فيها بالملك؛ لأنا نردها رقيقا ونجعل عليه قيمة الولد، والولد إذا كانوا بالجماع الذي أراه له مباحا فألزمناه قيمتهم كان الجماع بمنزلة الولد أو أكثر؛ لأن الجماع لازم وإن لم يكن ولد فإذا ضمناه الولد؛ لأنهم بسبب الجماع كان الجماع أولى أن نضمنه إياه وتضمين الجماع هو تضمين الصداق. فإن قال قائل: وكيف ألزمته قيمة الأولاد الذين لم يدركهم السيد إلا موتى؟ قيل له لما كان السيد يملك الجارية، وكان ما ولدت مملوكا يملكها إذا وطئت بغير شبهة فكان على الغاصب ردهم حين ولدوا فلم يردهم حتى ماتوا ضمن قيمتهم كما يضمن قيمة أمهم لو ماتت، ولما كان المشتري وطئها بشبهة كان سلطان المغصوب عليهم فيما يقوم مقامهم حين ولدوا فقد ثبتت له قيمتهم فسواء ماتوا أو عاشوا؛ لأنهم لو عاشوا لم يسترقوا. قال: وإذا اغتصب الرجل الجارية ثم وطئها بعد الغصب وهو من غير أهل الجهالة أخذت منه الجارية والعقر وأقيم عليه حد الزنا فإن كان من أهل الجهالة، وقال: كنت أراني لها ضامنا، وأرى هذا محل عذر لم يحد وأخذت منه الجارية والعقر. قال: وإذا غصب الرجل الجارية فباعها فسواء باعها في الموسم أو على منبر أو تحت سرداب حق المغصوب فيها في هذه الحالات سواء فإن جنى عليها أجنبي في يدي المشتري أو الغاصب جناية تأتي على نفسها أو بعضها فأخذ الذي هي في يديه أرش الجناية ثم استحقها المغصوب فهو بالخيار في أخذ أرش الجناية من يدي من أخذها إذا كانت نفسا أو تضمينه قيمتها على ما وصفنا، وإن كانت جرحا فهو بالخيار في أخذ أرش الجرح من الجاني والجارية من الذي هي في يديه أو تضمين الذي هي في يديه ما نقصها الجرح بالغا ما بلغ وكذلك إن كان المشتري قتلها أو جرحها فإن كان الغاصب قتلها فلمالكها عليه الأكثر من قيمتها يوم قتلها أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة؛ لأنه لم يزل لها ضامنا.

قال وإن كان المغصوب ثوبا فباعه الغاصب من رجل فلبسه ثم استحقه المغصوب أخذه، وكان له ما بين قيمته يوم اغتصبه، وبين قيمته التي نقصه إياها اللبس كان قيمته يوم غصبه عشرة فنقصه اللبس خمسة فيأخذ ثوبه وخمسة وهو بالخيار في تضمين اللابس المشتري أو الغاصب فإن ضمن الغاصب فلا سبيل له على اللابس.

وهكذا إن غصب دابة فركبت حتى أنضيت كانت له دابته وما نقصت عن حالها حين غصبها، ولست أنظر في القيمة إلى تغير الأسواق إنما أنظر إلى تغير بدن المغصوب.

فلو أن رجلا غصب رجلا عبدا صحيحا قيمته مائة دينار فمرض فاستحقه وقيمته مريضا خمسون أخذ عبده وخمسين، ولو كان الرقيق يوم أخذه أغلى منهم يوم غصبه، وكذلك لو غصبه صبيا مولودا قيمته دينار يوم غصبه فشب في يد الغاصب، وشل أو اعور وغلا الرقيق أو لم يغل فكانت قيمته يوم استحقه عشرين دينارا أخذه وقومناه صحيحا، وأشل أو أعور ثم رددناه على الغاصب بفضل ما بين قيمته صحيحا، وأشل أو أعور؛ لأنه كان عليه أن يدفعه إليه صحيحا فما حدث به من عيب ينقصه في بدنه كان ضامنا له.

وهكذا لو غصبه ثوبا جديدا قيمته يوم غصبه عشرة فلبسه حتى أخلق وغلت الثياب فصار يساوي عشرين أخذ الثوب ويقوم الثوب جديدا وخلقا ثم أعطي فضل ما بين القيمتين. قال: ولو غصبه جديدا قيمته عشرة ثم رده جديدا قيمته خمسة لرخص الثياب لم يضمن شيئا من قبل أنه رده كما أخذه فإن شبه على أحد بأن يقول قد ضمن قيمته يوم اغتصبه فالقيمة لا تكون مضمونة أبدا إلا لفائت والثوب إذا كان موجودا بحاله غير فائت وإنما تصير عليه القيمة بالفوت، ولو كان حين غصب كان ضامنا لقيمته لم يكن للمغصوب أخذ ثوبه وإن زادت قيمته، ولا عليه أخذ ثوبه إن كانت قيمته سواء أو كان أقل قيمة.

قال: وإذا غصب الجارية فأصابها عيب من السماء أو بجناية أحد فسواء، وسواء أصابها ذلك عند الغاصب أو المشتري يسلك بما أصابها من العيوب التي من السماء ما سلك بها في العيوب التي يجني عليها الآدميون. قال: وإذا غصب الرجل جارية فباعها من آخر فحدث بها عند المشتري عيب ثم جاء المغصوب فاستحقها أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها العيب من الغاصب فإن أخذه منه لم يرجع على المشتري بشيء ولرب الجارية أن يأخذ ما نقصه العيب الحادث في يد المشتري من المشتري فإن أخذه من المشتري رجع به المشتري على الغاصب وبثمنها الذي أخذ منه؛ لأنه لم يسلم إليه ما اشترى وسواء كان العيب من السماء أو بجناية آدمي.

قال: وإذا غصب الرجل من الرجل دابة فاستغلها أو لم يستغلها ولمثلها غلة أو دارا فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها، ولم يكرها ولمثلها كراء أو شيئا ما كان مما له غلة استغله أو لم يستغله انتفع به أو لم ينتفع به فعليه كراء مثله من حين أخذه حتى يرده إلا أنه إن كان أكراه بأكثر من كراء مثله فالمغصوب بالخيار في أن يأخذ ذلك الكراء؛ لأنه كراء ماله أو يأخذ كراء مثله، ولا يكون لأحد غلة بضمان إلا للمالك؛ لأن رسول الله إنما قضى بها للمالك الذي كان أخذ ما أحل الله له والذي كان إن مات المغل مات من ماله. وإن شاء أن يحبس المغل حبسه إلا أنه جعل له الخيار إن شاء أن يرده بالعيب رده، فأما الغاصب فهو ضد المشتري. الغاصب أخذ ما حرم الله تعالى عليه، ولم يكن للغاصب حبس ما في يديه، ولو تلف المغل كان الغاصب له ضامنا حتى يؤدي قيمته إلى الذي غصبه إياه، ولا يطرح الضمان له لو تلف قيمة الغلة التي كانت قبل أن يتلف. ولا يجوز إلا هذا القول أو قول آخر وهو خطأ عندنا والله تعالى أعلم وهو أن بعض الناس زعم أنه إذا سكن أو استغل أو حبس فالغلة والسكن له بالضمان، ولا شيء عليه، وإنما ذهب إلى القياس على الحديث الذي ذكرت فأما أن يزعم زاعم أنه إن أخذ غلة أو سكن رد الغلة وقيمة السكنى، وإن لم يأخذها فلا شيء عليه فهذا خارج من كل قول لا هو جعل ذلك له بالضمان، ولا هو جعل ذلك للمالك إذا كان المالك مغصوبا. [قال الربيع]: معنى قول الشافعي ليس للمغصوب أن يأخذ إلا كراء مثله؛ لأن كراءه باطل وإنما على الذي سكن إذا استحق الدار ربها كراء مثلها، وليس له خيار في أن يأخذ الكراء الذي أكراها به الغاصب؛ لأن الكراء مفسوخ.

[قال الشافعي]: ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو أصولا أو بنى فيها بناء أو شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الأرض بالحال الذي اغتصبه إياها وكان على الباني والغارس أن يقلع بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الأرض حتى يرد إليه الأرض بحالها حين أخذها ويضمن القيمة بما نقصها. قال: وكذلك ذلك في النهر وفي كل شيء أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا ظالما وقد قال النبي (ليس لعرق ظالم حق)، ولا يكون لرب الأرض أن يملك مال الغاصب، ولم يملكه إياه كان ما يقلع الغاصب منه ينفعه أو لا ينفعه؛ لأن له منع قليل ماله كما له منع كثيره، وكذلك لو كان حفر فيها بئرا كان له دفنها وإن لم ينفعه الدفن وكذلك لو غصبه دارا فزوقها كان له قلع التزويق وإن لم يكن ينفعه قلعه، وكذلك لو كان نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التي غصبه إياها عليها لا يكون عليه أن يترك من ماله شيئا ينتفع به المغصوب كما لم يكن على المغصوب أن يبطل من ماله شيئا في يد الغاصب. فإن تأول رجل قول النبي (لا ضرر ولا ضرار) فهذا كلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئا إلا احتمل عليه خلافه، ووجهه الذي يصح به: أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله ما ليس بواجب عليه، ولا ضرار في أن يمنع رجل من ماله ضررا ولكل ما له وعليه. فإن قال قائل: بل أحدث للناس في أموالهم حكما على النظر لهم، وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت رجلا له بيت يكون ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة أعطاه به ما شاء مائة ألف دينار أو أكثر وقيمة البيت درهم أو درهمان، وأعطاه مكانه دارا مع المال أو رقيقا هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل؟ أو رأيت رجلا له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوي القطعة درهما فسأله الرجل أن يبيعه منها ممرا بما شاء من الدنيا هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه؟ أو رأيت رجلا صناعته الخياطة فحلف رجل أن لا يستخيط غيره ومنعه هو أن يخيط له فأعطاه على ما الإجارة فيه درهم مائة دينار أو أكثر أيجبر على أن يخيط له؟ أو رأيت رجلا عنده أمة عمياء لا تنفعه أعطاه بها ابن لها بيت مال هل يجبر على أن يبيعها؟ فإن قال لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له. قلنا: وكل هؤلاء يقول إنما فعلت هذا إضرارا بنفسي وإضرارا للطالب إلي حتى أكون جمعت الأمرين فإن قال، وإن أضر بنفسه وضار غيره فإنما فعل في ماله ما له أن يفعل. قيل: وكذلك حافر البئر في أرض الرجل والمزوق جدار الرجل وناقل التراب إلى أرض الرجل إنما فعل ما له أن يفعل ومنع ما له أن يمنع من ماله. فإن كان في رد التراب ودفن البئر ما يشغل الأرض عن ربها حتى يمنعه منفعة في ذلك الوقت، قيل للذي يريد رد التراب أنت بالخيار في أن ترده ويكون عليك كراء الأرض بقدر المدة التي حبستها عن المنفعة أو تدعه، وقيل لرب الأرض في البئر لك الخيار في أن تأخذ حافر البئر بدفنها على كل حال، ولا شيء لك عليه؛ لأنه ليس في موضعها منفعة حتى تكون مدفونة إلا أن يكون لموضعها لو كانت مستوية منفعة فيما بين أن حكمنا لك بها إلى أن يدفنها فيكون لك أجر تلك المنفعة؛ لأنه شغل عنك شيئا من أرضك.

[قال الشافعي]: وإن كان الغاصب نقل من أرض المغصوب ترابا كان منفعة للأرض لا ضرر عليها أخذ برده فإن كان لا يقدر على رد مثله بحال أبدا قومت الأرض وعليها ذلك التراب، وقومت بحالها حين أخذها ثم ضمن الغاصب ما بين القيمتين، وإن كان يقدر على رده بحال وإن عظمت فيه المؤنة كلفه.

قال: وإذا قطع الرجل يد دابة رجل أو رجلها أو جرحها جرحا ما كان صغيرا أو كبيرا، قومت الدابة مجروحة أو مقطوعة، ثم ضمن ما بين القيمتين، ولا يملك أحد مال أحد بجناية أبدا. قال: وإذا أقام شاهدا أن رجلا غصبه هذه الجارية يوم الخميس وشاهدا أنه غصبه إياها يوم الجمعة أو شاهدا أنه غصبه إياها وشاهدا أنه أقر له بغصبه إياها أو شاهدا أنه أقر له يوم الخميس بغصبها وآخر أنه أقر له يوم الجمعة بغصبها فكل هذا مختلف؛ لأن غصب يوم الخميس غير غصب يوم الجمعة وفعل الغصب غير الإقرار بالغصب والإقرار يوم الخميس غير الإقرار يوم الجمعة، فيقال له في هذا كله احلف مع أي شاهديك شئت واستحق الجارية فإن حلف استحقها.

قال: ولو أن أرضا كانت بيد رجل فادعى آخر أنها أرضه فأقام شاهدا فشهد له أنها أرضه اشتراها من مالك أو ورثها من مالك أو تصدق بها عليه مالك أو كانت مواتا فأحياها فوصف ذلك بوجه من وجوه الملك الذي يصح، وأقام شاهدا غيره أنها حيزة لم تكن الشهادة بأنها حيزة شهادة، ولو شهد عليها عدد عدول إذا لم يزيدوا على هذا شيئا؛ لأن حيزه يحتمل ما يجوز بالملك وما يجوز بالعارية والكراء ويحتمل ما يلي أرضه وما يلي مسكنه ويحتمل بعطية أهلها فلما لم يكن واحد من هذه المعاني أولى بالظاهر من الآخر لم تكن هذه شهادة أبدا حتى يزيدوا فيها ما يبين أنها ملك له، وله أن يحلف مع الشاهد الذي شهد له بالملك ويستحق. قال: ولو شهد له الشاهد الأول بما وصفنا من الملك وشهد له الشاهد الثاني بأنه كان يحوزها وقف فإن قال بحوزها بملك فقد اجتمعا على الشهادة، وإن قال يحوزها، ولم يزد على ذلك لم يجتمعا على الشهادة ويحلف مع شاهد الملك ويستحق.

قال: وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من آخر وقبض الثمن فهلك في يديه ثم جاء رب الجارية والجارية قائمة أخذ الجارية وشيئا إن كان نقصها ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي قبض منه موسرا كان أو معسرا.

قال: وإذا غصب الرجل الرجل دابة أو أكراه إياها، فتعدى فضاعت في تعديه فضمنه رب الدابة المغصوب أو المكرى قيمة دابته ثم ظفر بالدابة بعد فإن بعض الناس وهو أبو حنيفة قال لا سبيل له على الدابة، ولو كانت جارية لم يكن له عليها سبيل من قبل أنه أخذ البدل منها والبدل يقوم مقام البيع.

[قال الشافعي]: وإذا ظهر على الدابة رددت عليه الدابة ورد ما قبض من ثمنها إن كانت دابته بحالها يوم غصبها أو تعدى بها أو خيرها حالا فإن كانت ناقصة قبضها وما نقصت ورد الفضل عن نقصانها من الثمن، ولا يشبه هذا البيوع إنما البيوع بما تراضيا عليه فسلم له رب السلعة سلعته، وأخرجها من يديه إليه راضيا بإخراجها، والمشتري غير عاص في أخذها والمتعدي عاص في التعدي والغصب، ورب الدابة غير بائع له دابته. ألا ترى أن الدابة لو كانت قائمة بعينها لم يكن له أخذ قيمتها فلما كان إنما أخذ القيمة على أن دابته فائتة ثم وجد الدابة كان الفوت قد بطل وكانت الدابة موجودة، ولو كان هذا بيعا ما جاز أن تباع دابته غائبة، ولو جاز فهلكت الدابة كان للغاصب والمتعدي أن يرجع بالثمن، ولو وجدت معيبة كان له أن يردها بالعيب فإن قال رجل: فهي لا تشبه البيوع، ولكنها تشبه الجنايات. قيل له: أفرأيت لو أن رجلا جنى على عين رجل فابيضت فحكم له بأرشها ثم ذهب البياض فقائل هذا يزعم أنه يرده بالأرش ويرده، ولو حكم له في سن قلعت من صبي بخمس من الإبل ثم نبتت رجع بالأرش الذي حكم به عليه فإن شبهها بالجنايات فهذا يلزمه فيه اختلاف القول وإن زعم أنها لا تشبه الجنايات؛ لأن الجنايات ما فات فلم يعد فهذه قد عادت فصارت غير فائتة. ولو كان هذا بغير قضاء قاض فاغتصب رجل لرجل دابة أو أكراه إياها فتعدى عليها فضاعت ثم اصطلحا من ثمنها على شيء يكون أكثر من قيمة الدابة أو مثله أو أقل فالقول فيه كالقول في حكم القاضي؛ لأنه إنما صالحه على ما لزم الغاصب مما استهلك فلما كان ماله غير مستهلك كان الصلح وقع على غير ما علما أو علم رب الدابة، ولو كان الغاصب قال له أنا اشتريها منك وهي في يدي قد عرفتها فباعه إياها بشيء قد عرفه قل أو كثر فالبيع جائز فإن جاء الغاصب بالدابة معيبة عيبا يحدث مثله فزعم أنه لم يكن رآه، وأن البائع دلس له به كان القول قول البائع مع يمينه إلا أن يقيم الغاصب البينة على أنه كان في يد المغصوب البائع، أو يكون العيب مما لا يحدث مثله فيكون له رد الدابة، ويكون للمغصوب ما نقصها على الغاصب فإن قال المتعدي بالغصب أو في الكراء: إن الدابة ضاعت فأنا أدفع إليك قيمتها فقيل ذلك منه بغير قضاء قاض. فلا يجوز في هذا والله أعلم إلا واحد من قولين أحدهما: أن يقال هذا بيع مستأنف فلا تجيزه من قبل أنه لا يجوز بيع الموتى أو يقال هذا بدل إن كانت ضاعت أو تلفت فيجوز؛ لأن ذلك يلزمه في أصل الحكم فمن ذهب هذا المذهب لزمه إذا علم بأن الدابة لم تضع أن يكون لرب الدابة أخذها وعليه رد ما أخذ من قبل أنه إنما أخذ ما كان يلزم له لو كانت ضائعة فلما لم تكن ضائعة كان على أصل ملكه أو يقول قائل قولا ثالثا فيقول: لما رضي بقوله وترك استحلافه كما كان الحاكم مستحلفه لو ضاعت فلا يكون له الرجوع على حال فأما أن يقول قائل إن كانت عند الغاصب وإنما كذب ليأخذها فللمشتري أخذها وإن لم تكن عند الغاصب ثم وجدها فليس للمشتري أخذها فهذا لا يجوز في وجه من الوجوه؛ لأن الذي انعقد إن كان جائزا بكل حال جاز، ولم ينتقض وإن كان جائزا ما لم تكن موجودة منتقضا إذا كانت موجودة فهي موجودة في الحالين فما بالها ترد في إحداهما، ولا ترد في الأخرى؟ وإن كان فاسدا فهو مردود بكل حال وهذا القول لا جائز، ولا فاسد، ولا جائز على معنى فاسد في آخر.

[قال الشافعي]: وإذا باع الرجل من الرجل الجارية أو العبد وقبضه منه ثم أقر البائع لرجل آخر أنه عبده غصبه منه أو أمته غصبها منه قلنا للمقر له بالغصب إن أقمت بينة على الغصب دفعنا إليك أيهما أقمت عليه البينة ونقضنا البيع، وإن لم تقم بينة فإقرار البائع لك إثبات حق لك على نفسه، وإبطال حق لغيرك قد ثبت عليه قبل إقراره لك، ولا يصدق في إبطال حق غيره ويصدق على نفسه فيضمن لك قيمة أيهما أقر بأنه غصبه إلا أن يجد المشتري العيب أو يكون له خيار فيرده بخياره في العيب وخياره في الشرط فإذا رده كان على المقر أن يسلمه إليك، وإن صدقه المشتري أنه غاصب رده ورجع عليه بالثمن الذي أخذه منه إن شاء.

[قال الشافعي]: وإذا اغتصب الرجل من الرجل عبدا فباعه من رجل ثم ملك المغتصب البائع ذلك العبد بميراث أو هبة أو بشراء صحيح أو وجه ملك ما كان ثم أراد نقض البيع الأول؛ لأنه باع ما لا يملك فإن صدقه المشتري أو قامت بينة فالبيع منتقض أراده أو لم يرده؛ لأنه باع ما لا يجوز له بيعه وإن لم تقم بينة وقال المشتري: إنما ادعيت ما يفسد البيع فالقول قول المشتري مع يمينه. فإن قال البائع: بعتك ما أملك ثم قامت بينة أنه اغتصبه ثم ملكه، ولم يصدقه المشتري ثبت البيع من قبل أن البينة إنما تشهد في هذا الوقت للبائع لا عليه فتشهد له بما يرجع به العبد إلى ملكه فيكون مشهودا له لا عليه. وقد أكذبهم فلا ينتقض البيع في الحكم لإكذابه بينته، وينبغي في الورع أن يجددا بيعا أو يرده المشتري. قال: وإن كانت البينة شهدت فكان ذلك يخرجه من أيديهما جميعا قبلت البينة؛ لأنها عليه. قال: وإن باعه وقبضه المشتري ثم أعتقه فقامت بينة بغصب وكان المغصوب أو ورثته قياما رد العتق؛ لأن البيع كان فاسدا ويرد إلى المغصوب، ولو لم تكن بينة وصدق الغاصب والمشتري المدعي أنه غصبه لم يقبل قول واحد منهما في العتق ومضى العتق ورددنا المغصوب على الغاصب بقيمة العبد في أكثر ما كان قيمة وإن أحب رددناه على المشتري المعتق فإن رددناه على المشتري المعتق رجع على الغاصب البائع بما أخذ منه؛ لأنه قد أقر أنه باع ما لا يملك والولاء موقوف من قبل أن المعتق يقر أنه أعتق ما لا يملك.

قال: وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من رجل والمشتري يعلم أنها مغصوبة ثم جاء المغصوب فأراد البيع لم يكن البيع جائزا من قبل أن أصل البيع كان محرما فلا يكون لأحد إجازة المحرم، ويكون له تجديد بيع حلال هو غير الحرام فإن قال قائل أرأيت لو أن امرأ باع جارية له وشرط نفسه فيها الخيار أما كان يجوز البيع ويكون له أن يختار إمضاءه فيلزم المشتري بأن له الخيار دون البائع؟ قيل بلى فإن قال فما فرق بينهما؟ قيل: هذه باعها مالكها بيعا حلالا وكان له الخيار على شرطه وكان المشتري غير عاص لله، ولا البائع والغاصب والمشتري وهو يعلم أنها مغصوبة عاصيان لله، وهذا بائع ما ليس له وهذا مشتر ما لا يحل له فلا يقاس الحرام على الحلال؛ لأنه ضده ألا ترى أن الرجل المشتري من رب الجارية جاريته لو شرط المشتري الخيار لنفسه كان له الخيار كما يكون للبائع إذا شرطه؟ أفيكون لمشتري الجارية المغصوبة الخيار في أخذها أو ردها؟ فإن قال لا قيل: ولو شرط الغاصب الخيار لنفسه؟ فإن قال لا من قبل أن الذي شرط له الخيار لا يملك الجارية قيل: ولكن الذي يملكها لو شرط له الخيار جاز فإن قال: نعم قيل له أفلا ترى أنهما مختلفان في كل شيء فكيف يقاس أحد المختلفين في كل شيء على الآخر.

قال: وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فأقر الغاصب بأنه غصبه جارية وقال: ثمنها عشرة. وقال المغصوب: ثمنها مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه، ولا تقوم على الصفة من قبل أن التقويم على الصفة لا يضبط قد تكون الجاريتان بصفة، ولون وسن وبينهما كثير في القيمة بشيء يكون في الروح والعقل واللسان فلا يضبط إلا بالمعاينة فيقال لرب الجارية: إن رضيت وإلا فإن أقام بينة أخذ له ببينته وإن لم يقمها أحلف له الغاصب وكان القول قوله، ولو أقام عليه شاهدين بأنه غصبه جارية فهلكت الجارية في يديه، ولم يثبت الشاهدان على قيمتها كان القول في قيمتها قول الغاصب مع يمينه، ولو وصفها الشاهدان بصفة أنها كانت صحيحة علم أن قيمتها أكثر مما قال الغاصب كان القول قول الغاصب؛ لأنه قد يمكن أن يكون ثم داء أو غائلة تخفى يصير بها ثمنها إلى ما قال الغاصب فإذا أمكن ما قال الغاصب بحال كان القول قوله مع يمينه، وهكذا قول من يغرم شيئا من الدنيا بأي وجه ما دخل عليه الغرم إذا أمكن أن يكون القول قوله كان القول قوله، ولا يؤخذ منه خلاف ما أقر به إلا ببينة. ألا ترى أنا نجعل في الأكثر من الدعوى عليه القول قوله؟ فلو قال رجل غصبني أو لي عليه دين أو عنده وديعة كان القول قوله مع يمينه، ولم نلزمه شيئا لم يقر به فإذا أعطيناه هذا في الأكثر كان الأقل أولى أن نعطيه إياه فيه، ولا تجوز القيمة على ما لا يرى، وذلك أنا ندرك ما وصفت من علم أن الجاريتين تكونان في صفة وإحداهما أكثر ثمنا من الأخرى بشيء غير بعيد فلا تكون القيم إلا على ما عوين. أولا ترى أن فيما عوين لا نولي القيمة فيه إلا أهل العلم به في يومه الذي يقومونه فيه؟، ولا تجوز لهم القيمة حتى يكشفوا عن الغائلة والأدواء ثم يقيسوه بغيره ثم يكون أكثر ما عندهم في ذلك تآخي قدر القيمة على قدر ما يرى من سعر يومه فإذا كان هذا هكذا لم يجز التقويم على المغيب. فإن قال: صفته كذا، ولا أعرف قيمته قلنا لرب الثوب ادع في قيمته ما شئت فإذا فعل قلنا للغاصب قد ادعى ما تسمع فإن عرفته فأده إليه بلا يمين وإن لم تعرفه فأقر بما شئت نحلفك عليه وتدفعه إليه. فإن قال لا أحلف قلنا فرد اليمين عليه فيحلف عليك ويستحق ما ادعى إن ثبت على الامتناع من اليمين فإن حلف بعد أن بين هذا له فقد جاء بما عليه، وإن امتنع أحلفنا المدعي ثم ألزمناه جميع ما حلف عليه فإن أراد اليمين بعد يمين المدعي لم نعطه إياها فإن جاء ببينة على أقل مما حلف عليه المدعي أعطيناه بالبينة وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة.

قال: وإذا غصب رجل من رجل طعاما حبا أو تمرا أو أدما فاستهلكه فعليه مثله إن كان يوجد له مثل بحال من الحال وإن لم يوجد له مثل فعليه قيمته أكثر ما كان قيمة قط.

قال: وإذا غصب رجل لرجل أصلا فأثمر أو غنما فتوالدت، وأصاب من صوفها، وألبانها كان لرب الأصل والغنم وكل ماشية أن يأخذ ماشيته، وأصله من الغاصب إن كان بحاله حين غصبه أو خيرا، وإن نقص أخذه والنقصان ورجع عليه بجميع ما أتلف من الثمرة فأخذ منه مثلها إن كان لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل، وقيمة ما أتلف من نتاج الماشية ومثل ما أخذ من لبنها أو قيمته إن لم يكن له مثل، ومثل ما أخذ من صوفها وشعرها إن كان له مثل وإلا قيمته إن لم يكن له مثل. قال: وإن كان أعلفها أو هنأها وهي جرب أو استأجر عليها من حفظها أو سقى الأصل فلا شيء له في ذلك.

[قال الشافعي]: وأصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان. أحدهما: عين موجودة تميز وعين موجودة لا تميز. والثاني: أثر لا عين موجودة. فأما الأثر: الذي ليس بعين موجودة فمثل ما وصفنا من الماشية يغصبها صغارا والرقيق يغصبهم صغارا بهم مرض فيداويهم وتعظم نفقته عليهم حتى يأتي صاحبهم وقد أنفق عليهم أضعاف أثمانهم، وإنما ماله في أثر عليهم لا عين. ألا ترى أن النفقة في الدواب والأعبد إنما هو شيء صلح به الجسد لا شيء قائم بعينه مع الجسد، وإنما هو أثر؟ وكذلك الثوب يغسله ويكمده وكذلك الطين يغصبه فيبله بالماء ثم يضربه لبنا فإنما هذا كله أثر ليس بعين من ماله وجد فلا شيء له فيه؛ لأنه ليس بعين تتميز فيعطاه، ولا عين تزيد في قيمته، ولا هو موجود كالصبغ في الثوب فيكون شريكا له والعين الموجودة التي لا تتميز أن يغصب الرجل الثوب الذي قيمته عشرة دراهم فيصبغه بزعفران فيزيد في قيمته خمسة فيقال للغاصب: إن شئت أن تستخرج الزعفران على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه، ولا يكون له غير ذلك وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه، وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما يقوم الثوب فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا له به فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص الثوب وإن شئت فدعه. قال: وإن كان الصبغ مما ينقص الثوب قيل له أنت أضررت بصاحب الثوب، وأدخلت عليه النقص فإن شئت فاستخرج صبغك وتضمن ما نقص الثوب وإن شئت فلا شيء لك في صبغك وتضمن ما نقص الثوب بكل حال قال ومن الشيء الذي يخلطه الغاصب بما اغتصب فلا يتميز منه أن يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله أو خير منه فيقال للغاصب إن شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان زيتك مثل زيته، وكنت تاركا للفضل إذا كان زيتك أكثر من زيته، ولا خيار للمغصوب؛ لأنه غير منتقص فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته؛ لأنه قد انتقص زيته بتصييره فيما هو شر منه، وإن كان صب زيته في بان أو شيرق أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في هذا كله؛ لأنه لا يتخلص منه الزيت، ولا يكون له أن يدفع إليه مكيالا مثله، وإن كان المكيال منه خيرا من الزيت من قبل أنه غير الزيت، ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه وتكون مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه. [قال الربيع]: ويعطيه هذا الزيت بعينه وإن نقصه الماء ويرجع عليه بنقصه وهو معنى قول الشافعي.

[قال الشافعي]: ولو اغتصب زيتا فأغلاه على النار فنقص كان عليه أن يسلمه إليه، وما نقص مكيلته ثم إن كانت النار تنقصه شيئا في القيمة كان عليه أن يغرم له نقصانه، وإن لم تنقصه شيئا في القيمة فلا شيء عليه.

ولو اغتصبه حنطة جديدة خلطها برديئة كان كما وصفت في الزيت يغرم له مثلها بمثل كيلها إلا أن يكون يقدر على أن يميزها حتى تكون معروفة وإن خلطها بمثلها أو أجود كان كما وصفت في الزيت. قال: ولو خلطها بشعير أو ذرة أو حب غير الحنطة كان عليه أن يؤخذ بتمييزها حتى يسلمها إليه بعينها بمثل كيلها، وإن نقص كيلها شيئا ضمنه. قال: ولو اغتصبه حنطة جيدة فأصابها عنده ماء أو عفن أو أكلة أو دخلها نقص في عينها كان عليه أن يدفعها إليه وقيمة ما نقصها تقوم بالحال التي غصبها والحال التي دفعها بها ثم يغرم فضل ما بين القيمتين قال، ولو غصبه دقيقا فخلطه بدقيق أجود منه أو مثله أو أردأ كان كما وصفنا في الزيت. قال وإن غصبه زعفرانا وثوبا فصبغ الثوب بالزعفران كان رب الثوب بالخيار في أن يأخذ الثوب مصبوغا؛ لأنه زعفرانه وثوبه، ولا شيء له غير ذلك أو يقوم ثوبه أبيض وزعفرانه صحيحا فإن كانت قيمته ثلاثين قوم ثوبه مصبوغا بزعفران فإن كانت قيمته خمسة وعشرين ضمنه خمسة؛ لأنه أدخل عليه النقص. قال: وكذلك إن غصبه سمنا وعسلا ودقيقا فعصده كان للمغصوب الخيار في أن يأخذه معصودا، ولا شيء للغاصب في الحطب والقدر والعمل من قبل أن ما له فيه أثر لا عين أو يقوم له العسل منفردا والسمن والدقيق منفردين فإن كان قيمته عشرة، وهو معصود قيمته سبعة غرم له ثلاثة من قبل أنه أدخل عليه النقص. ولو غصبه دابة وشعيرا فعلف الدابة الشعير رد الدابة والشعير من قبل أنه هو المستهلك له، وليس في الدابة عين من الشعير يأخذه إنما فيها منه أثر.

قال: ولو غصبه طعاما فأطعمه إياه والمغصوب لا يعلم كان متطوعا بالإطعام، وكان عليه ضمان الطعام وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شيء له عليه من قبل أن سلطانه إنما كان على أخذ طعامه فقد أخذه. قال: ولو اختلفا فقال المغصوب: أكلته، ولا أعلم أنه طعامي وقال الغاصب: أكلته، وأنت تعلمه فالقول قول المغصوب مع يمينه إذا أمكن أن يكون يخفى ذلك بوجه من الوجوه. [قال الربيع]: وفيه قول آخر أنه إذا أكله عالما أو غير عالم فقد وصل إليه شيؤه، ولا شيء على الغاصب إلا أن يكون نقص عمله فيه شيئا فيرجع بما نقصه العمل.

[قال الشافعي]: وإن غصبه ذهبا فحمل عليه نحاسا أو حديدا أو فضة أخذ بتمييزه بالنار وإن نقصت النار ذهبه شيئا ضمن ما نقصت النار وزن ذهبه وسلم إليه ذهبه ثم نظرنا فإن كانت النار نقصت من ذهبه شيئا في القيمة ضمن له ما نقصته النار في القيمة. وقال: ولو سبكه مع ذهب مثله أو أجود أو أردأ كان هذا مما لا يتميز وكان القول فيه كالقول في الزيت. قال: ولو اغتصبه ذهبا فجعله قضيبا ثم أضاف إليه قضيبا من ذهب غيره أو قضيبا من نحاس أو فضة ميز بينهما ثم دفع إليه قضيبه إن كان بمثل الوزن الذي غصبه به ثم نظر إليه في تلك الحال وإليه في الحال التي غصبه إياه فيها معا فإن كانت قيمته حين رده أقل منها حين غصبه ضمن له فضل ما بين القيمتين، وإن كانت مثله أو أكثر أخذ ذهبه، ولا شيء له غير ذلك، ولا للغاصب في الزيادة؛ لأن الزيادة من عمل إنما هو أثر.

قال: ولو غصبه شاة فأنزى عليها تيسا فجاءت بولد كانت الشاة والولد للمغصوب، ولا شيء للغاصب في عسب التيس من قبل شيئين. أحدهما: أنه لا يحل ثمن عسب الفحل. والآخر: أنه إنما هو شيء أقره فيها فانقلب الذي أقر إلى غيره والذي انقلب ليس بشيء يملك إنما يملكه رب الشاة.

قال: ولو غصبه نقرة ذهب فضربها دنانير كان لرب النقرة أن يأخذ الدنانير إن كانت بمثل وزن النقرة، وكانت بمثل قيمة النقرة أو أكثر، ولا شيء للغاصب في زيادة عمله إنما هو أثر وإن كانت ينقص وزنها أخذ الدنانير وما نقص الوزن. قال: وإن كان قيمتها تنقص مع ذلك أخذ الدنانير وما نقص الوزن وما نقص القيمة. قال: وإن غصبه خشبة فشقها ألواحا أخذ رب الخشبة الألواح فإن كانت الألواح مثل قيمة الخشبة أو أكثر أخذها، ولا شيء للغاصب في زيادة قيمة الألواح على الخشبة من قبل أن ماله فيها أثر لا عين، وإن كانت الألواح أقل قيمة من الخشبة أخذها وفضل ما بين القيمتين. قال: ولو أنه عمل هذه الألواح أبوابا، ولم يدخل فيها شيئا من عنده كان هكذا، ولو أدخل فيها من عنده حديدا أو خشبا غيرها كان عليه أن يميز ماله من مال المغصوب ثم يدفع إلى المغصوب ماله وما نقص ماله إذا ميز منها خشبه وحديده إلا أن يشاء أن يدع له ذلك متطوعا. قال: وكذلك لو أدخل لوحا منها في سفينة أو بنى على لوح منها جدارا كان عليه أن يؤخذ بقلع ذلك حتى يسلمه إلى صاحبه وما نقصه. قال: وكذلك الخيط يخيط به الثوب وغيره فإن غصبه خيطا فخاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن قيمته، ولم يكن للمغصوب أن ينزع خيطه من إنسان، ولا حيوان حي. فإن قال قائل: ما فرق بين الخيط يخاط به الثوب وفي إخراجه إفساد للثوب وفي إخراج اللوح إفساد للبناء والسفينة وفي إخراج الخيط من الجرح إفساد للجرح فإن زعمت أن أحدهما يخرج مع الفساد والآخر لا يخرج مع الفساد؟ قيل له إن هدم الجدار وقلع اللوح من السفينة ونقض الخياطة ليس بمحرم على مالكها؛ لأنه ليس في شيء منها روح تتلف، ولا تألم؛ فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه منها، واستخراج الخيط من الجرح تلف للمجروح، وألم عليه ومحرم عليه أن يتلف نفسه وكذلك محرم على غيره أن يتلفه إلا بما أذن الله تعالى به فيه من الكفر والقتل وكذلك ذوات الأرواح، ولا يؤخذ الحق بمعصية الله تعالى وإنما يؤخذ بما لم يكن لله معصية. [قال الربيع]: وفيه قول آخر: إن كان الخيط في حيوان لا يؤكل فلا ينزع؛ لأن (النبي نهى أن تصبر البهائم) وإن كان في حيوان يؤكل نزع الخيط؛ لأنه حلال له أن يذبحها ويأكلها.

[قال الشافعي]: قلت: أرأيت إن كان الغاصب معسرا وقد صبغ الثوب صبغا ثم قال أنا أغسله حتى أخرج صبغي منه لم نمكنه أن يغسله فينقص علي ثوبي وهو معسر بذلك.

قال: وإذا جنى الحر على العبد جناية تكون نفسا أو أقل حملتها عاقلة الحر، إن كانت خطأ وقامت بها بينة فإن قال قائل: وكيف ضمنت العاقلة جناية حر على عبد؟ قيل له لما كانت العاقلة تعقل بسنة رسول الله جناية الحر على الحر في النفس وبسنة رسول الله جناية الحر على الجنين وهو نصف عشر نفس دل ذلك على أن ما جنى الحر من جناية خطأ كانت على عاقلته وعلى أن الحكم في جناية الحر خطأ مخالف للحكم في جناية الحر العمد، وفيما استهلك الحر من عروض الآدميين. فإن قال قائل: فلم لم تجعل العبد عرضا من العروض، وإنما فيه قيمته كما يكون ذلك في العروض؟ قيل جعل الله عز وجل على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهل المقتول فكان ذلك في الآدميين دون العروض والبهائم. ولم أعلم مخالفا في أن على قاتل العبد تحرير رقبة كما هي على قاتل الحر، ولا أن الرقبة في مال القاتل خاصة فلما كانت الدية في الخطأ على العاقلة كانت في العبد دية كما كانت فيه رقبة وكان داخلا في جملة الآية وجملة السنة وجملة القياس على الإجماع في أن فيه عتق رقبة. فإن قال قائل فديته ليست كدية الحر؟ قيل والديات مبينة الفرض في كتاب الله تعالى ومبينة العدد في سنة رسول الله وفي الآثار فإنما يستدرك عددها خبرا ألا ترى أن العاقلة تعقل دية الحر والحرة وهما يختلفان ودية اليهودي والنصراني والمجوسي، وهم عندنا مخالفون المسلم؟ فكذلك تعقل دية العبد وهي قيمته. فإن قال قائل: ما الفرق بين العبد والبهيمة في شيء غير هذا؟ قيل نعم بين العبيد عند العامة القصاص في النفس، وعندنا في النفس وفيما دونها، وليس ذلك بين بعيرين لو قتل أحدهما صاحبه، وعلى العبيد فرائض الله من تحريم الحرام وتحليل الحلال وفيهم حرمة الإسلام، وليس ذلك في البهائم. فإن كان الجاني عبدا على حر أو عبد لم تعقل عنه عاقلته، ولا سيده وكانت الجناية في عنقه دون ذمة سيده يباع فيها فيدفع إلى ولي المجني عليه ديته فإن فضل من ثمنه شيء رد على صاحبه فإن لم يفضل من ثمنه شيء أو لم يبلغ الدية بطل ما بقي منه؛ لأن الجناية إنما كانت في عنقه دون غيره، وترك أن يضمن سيده عنه والعاقلة في الحر والعبد ما لا أعلم فيه خلافا. وفيه دلالة على أن العقل إنما حكمة بالجاني لا بالمجني عليه ألا ترى أنه لو كان بالمجني عليه ضمنت عاقلته لسيد العبد ثمن العبد إذا قتل الحر فلما كانت لا تضمن ذلك عنه وكانت جنايته على الحر والعبد سواء في عنقه كانت كذلك جناية الحر على العبد والحر سواء على عاقلته، وكان الحر يعقل عنها كما تعقل عنه.

قال: وإذا استعار الرجل من الرجل الدابة إلى موضع فتعدى بها إلى غيره فعطبت في التعدي أو بعد ما ردها إلى الموضع الذي استعارها منه قبل أن تصل إلى مالكها فهو لها ضامن لا يخرج من الضمان إلا بأن يوصلها إلى مالكها سالمة وعليه الكراء من حيث تعدى بها مع الضمان. قال: وإذا تكارى الرجل من الرجل الدابة من مصر إلى أيلة فتعدى بها إلى مكة فماتت بمكة وقد كان قبضها من ربها ثمن عشرة فنقصت في الركوب حتى صارت بأيلة ثمن خمسة ثم سار بها عن أيلة فإنما يضمن قيمتها من الموضع الذي تعدى بها منه فيأخذ كراءها إلى أيلة الذي أكراها به ويأخذ قيمتها من أيلة خمسة ويأخذ فيما ركب منها بعد ذلك فيما بين أيلة إلى مكة كراء مثلها لا على حساب الكراء الأول.

قال: وإذا وهب الرجل للرجل طعاما فأكله الموهوب له أو ثوبا فلبسه حتى أبلاه وذهب؛ ثم استحقه رجل على الواهب فالمستحق بالخيار في أن يأخذ الواهب؛ لأنه سبب إتلاف ماله فإن أخذه بمثل طعامه أو قيمة ثوبه فلا شيء للواهب على الموهوب له إذا كانت هبته إياه لغير ثواب ويأخذ الموهوب له بمثل طعامه وقيمة ثوبه؛ لأنه هو المستهلك له، فإن أخذه به فقد اختلف في أن يرجع الموهوب له على الواهب، وقيل لا يرجع على الواهب؛ لأن الواهب لم يأخذ منه عوضا فيرجع بعوضه وإنما هو رجل غره من أمر قد كان له أن لا يقبله. قال: وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا شهرا أو شهرين فلبسه فأخلقه ثم استحقه رجل آخر أخذه وقيمة ما نقصه اللبس من يوم أخذه منه، وهو بالخيار في أن يأخذ ذلك من المستعير اللابس أو من الآخذ لثوبه. فإن أخذه من المستعير اللابس، وكان النقص كله في يده لم يرجع به على من أعاره من قبل أن النقص كان من فعله، ولم يغر من ماله بشيء فيرجع به، وإن ضمنه المعير غير اللابس فمن زعم أن العارية مضمونة، قال: للمعير أن يرجع به على المستعير؛ لأنه كان ضامنا، ومن زعم أن العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع عليه بشيء؛ لأنه سلطه على اللبس. وهذا قول بعض المشرقيين. والقول الأول قياس قول بعض أصحابنا الحجازيين وهو موافق للآثار وبه نأخذ. ولو كانت المسألة بحالها غير أن مكان العارية أن المستعير تكارى الثوب كان الجواب فيها كالجواب في الأولى إلا أن المستكري إذا ضمن شيئا رجع به على المكري؛ لأنه غره من شيء أخذ عليه عوضا، وإنما لبسه على أن ذلك مباح له بعوض ويكون لرب الثوب أن يأخذ قيمة إجارة ثوبه.

قال: وإذا ادعى الرجل قبل الرجل دعوى فسأل أن يحلف له المدعى عليه أحلفه له القاضي، ثم قبل البينة من المدعي فإن ثبتت عليه بينة أخذ له بها وكانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة، وسواء كانت بينة المدعي المستحلف حضورا بالبلد أو غيبا عنه فلا يعدو هذا واحدا من وجهين إما أن يكون المدعى عليه إذا حلف برئ بكل حال قامت عليه بينة أو لم تقم، وإما أن يكون إنما يكون بريئا ما لم تقم عليه بينة فإذا قامت بينة فالحكم عليه أن يؤخذ منه بها، وليس لقرب الشهود وبعدهم معنى، ولكن الشهود إن لم يعدلوا اكتفى فيه باليمين الأولى، ولم تعد عليه يمين. وإنما أحلفناه أولا أن الحكم في المدعى عليه حكمان. أحدهما: أن لا يكون عليه بينة فيكون القول قوله مع يمينه، أو يكون عليه بينة فيزول هذا الحكم ويكون الحكم عليه أن يؤخذ منه بالبينة العادلة ما كان المدعي يدعي ما شهدت به بينته أو أكثر منه.

قال: وإذا غصب الرجل من الرجل قمحا فطحنه دقيقا نظر فإن كانت قيمة الدقيق مثل قيمة الحنطة أو أكثر فلا شيء للغاصب في الزيادة، ولا عليه؛ لأنه لم ينقصه شيئا وإن كانت قيمة الدقيق أقل من قيمة الحنطة رجع على الغاصب بفضل ما بين قيمة الدقيق والحنطة، ولا شيء للغاصب في الطحن؛ لأنه إنما هو أثر لا عين.

كتاب الأم
كتاب الطهارة | كتاب الحيض | كتاب الصلاة | كتاب صلاة الخوف وهل يصليها المقيم | كتاب صلاة العيدين | كتاب صلاة الكسوف | كتاب الاستسقاء | كتاب الجنائز | كتاب الزكاة | كتاب قسم الصدقات | كتاب الصيام الصغير | كتاب الاعتكاف | كتاب الحج | مختصر الحج المتوسط | مختصر الحج الصغير | كتاب الضحايا | كتاب الصيد والذبائح | كتاب الأطعمة | كتاب النذور | كتاب البيوع | باب السلف والمراد به السلم | كتاب الرهن الكبير | الرهن الصغير | التفليس | الصلح | الحوالة | باب الضمان | الشركة | الوكالة | جماع ما يجوز إقراره إذا كان ظاهرا | العارية | الغصب | كتاب الشفعة | باب القراض | المساقاة | المزارعة | الإجارة وكراء الأرض | إحياء الموات | الأحباس | كتاب الهبة | باب في العمرى | كتاب اللقطة | اللقطة الكبيرة | كتاب اللقيط | باب الجعالة | كتاب الفرائض | كتاب الوصايا | باب الولاء والحلف | الوديعة | قسم الفيء | كتاب الجزية | كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة | كتاب السبق والنضال | كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي | كتاب النكاح | كتاب اللعان | كتاب جراح العمد | كتاب الحدود وصفة النفي | الاستحقاق | الأشربة | الوليمة | صدقة الشافعي | وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي | وثيقة في المدبر | كتاب الأقضية | الإقرار والمواهب | الدعوى والبينات | الشهادات | باب الحدود | الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان | باب في الأقضية | كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما | كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما | كتاب الرد على محمد بن الحسن | كتاب سير الأوزاعي | كتاب القرعة | أحكام التدبير | المكاتب