كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج
سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الإحرام فقال: لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له: ما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله أنه: (رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا) فقلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال: وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه [قال]: وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر فإذا تركتم ما روي عن النبي ﷺ من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلى ابن عمر فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه: {ثم محلها إلى البيت العتيق} فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت [قال]: وقال مالك: من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس " من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما " وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده " من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما " ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن.