كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب ما جاء في الصداق
سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد: (أن رجلا سأل النبي ﷺ أن يزوجه امرأة فقال النبي ﷺ التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن) قلت للشافعي: فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقال: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما؟ قلنا: نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت: فهذا قليل.
[قال الشافعي]: هذا شيء خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة، ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد، وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي ﷺ ومن بعده فإلى قول من ذهبتم؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا: نعم قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير؟ أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل: لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم؛ لأن ذلك صداق النبي ﷺ وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم؛ لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس أرأيتم إن كان الرجل يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده. ويصدق المرأة عشرة وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم يكون هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق.
[قال الشافعي]: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس قال: وكذا روي عن ابن عباس وشريح وهو معنى القرآن.