كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب ما جاء في ثمن الكلب
سألت الشافعي عن الرجل يقتل الكلب للرجل فقال: ليس عليه غرم فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري: (أن النبي ﷺ نهى عن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) قال مالك: وإنما أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري لنهي النبي ﷺ عن ثمن الكلب.
[قال الشافعي]: نحن نجيز للرجل أن يتخذ الكلاب الضواري ولا نجيز له أن يبيعها لنهي النبي ﷺ وإذا حرمنا ثمنها في الحال التي يحل اتخاذها فيه اتباعا لأمر النبي ﷺ لم يحل أن يكون لها ثمن بحال قلت للشافعي: فإنا نقول لو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه ف[قال الشافعي]: هذا خلاف حديث رسول الله ﷺ والقياس عليه وخلاف أصل قولكم كيف يجوز أن تغرموه ثمنه في الحال التي تفوت فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التي يحل أن ينتفع به فيها فإن قال قائل: فإن من المشرقيين من زعم أنه إذا قتل ففيه ثمنه ويروى فيه أثر فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون الحديث الذي في النهي عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون: لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شيء على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهي خمر أو بعد ما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لأن أصلها محرم ولم تصر خلا لأنهم يعقلون ما يقولون: وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذي ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله ﷺ نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا أو رأيتم لو قال لكم قائل: لا أجعل له ثمنا إذا قتل لأنه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له مالك وكان له ثمن في حياته كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الأخرى.