كتاب الأم/كتاب الجزية/في إظهار دين النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأديان
[قال الشافعي]: قال الله تبارك وتعالى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون} أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله).
[قال الشافعي]: (لما أتي كسرى بكتاب رسول الله ﷺ مزقه فقال: رسول الله ﷺ يمزق ملكه).
[قال الشافعي]: وحفظنا أن (قيصر أكرم كتاب النبي ﷺ ووضعه في مسك فقال: النبي ﷺ يثبت ملكه).
[قال الشافعي]: ووعد رسول الله ﷺ الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله ﷺ ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق وفارس.
[قال الشافعي]: فقد أظهر الله عز وجل دينه الذي بعث به رسول الله ﷺ على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله ﷺ الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه ﷺ وهذا ظهور الدين كله قال: وقد يقال ليظهرن الله عز وجل دينه على الأديان حتى لا يدان الله عز وجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى.
[قال الشافعي]: وكانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتي العراق، قال: فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي ﷺ خوفها من انقطاع تعايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال: النبي ﷺ (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده).
[قال الشافعي]: فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده، قال: (وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال: لهم رسول الله ﷺ وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام.
[قال الشافعي]: (قال النبي ﷺ في كسرى: يمزق ملكه) فلم يبق للأكاسرة ملك.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: (وقال في قيصر: يثبت ملكه) فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا.