كتاب الأم/كتاب الجنائز/باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها، وما يفعل بعد كل تكبيرة، وليس في التراجم
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا صلى الرجل على الجنازة كبر أربعا، وتلك السنة، ورويت عن النبي ﷺ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن النبي ﷺ نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات). أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره (أن مسكينة مرضت فأخبر النبي ﷺ بمرضها قال: وكان رسول الله ﷺ يعود المرضى، ويسأل عنهم فقال رسول الله ﷺ إذا ماتت فآذنوني بها فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله ﷺ فلما أصبح رسول الله ﷺ أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلا فخرج رسول الله ﷺ حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات).
[قال الشافعي]: فلذلك نقول يكبر أربعا على الجنائز، يقرأ في الأولى بأم القرآن، ثم يصلي على النبي ﷺ ويدعو للميت. وقال بعض الناس: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة.
[قال الشافعي]: إنا صلينا على الجنازة، وعلمنا كيف سنة الصلاة فيها لرسول الله ﷺ فإذا وجدنا لرسول الله ﷺ سنة اتبعناها أرأيت لو قال قائل: أزيد في التكبير على ما قلتم لأنها ليست بفرض أو لا أكبر وأدعو للميت هل كانت لنا عليه حجة إلا أن نقول قد خالفت السنة؟ وكذلك الحجة على من قال لا يقرأ إلا أن يكون رجل لم تبلغه السنة فيها، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله (أن النبي ﷺ كبر على الميت أربعا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال (صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلما سلم سألته عن ذلك فقال سنة، وحق)، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال (سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة، وقال: إنما فعلت لتعلموا أنها سنة)، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ﷺ أن (السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي ﷺ ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه)، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة.
[قال الشافعي]: والناس يقتدون بإمامهم يصنعون ما يصنع.
[قال الشافعي]: وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي ﷺ لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله ﷺ إن شاء الله.
[قال الشافعي]: أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن الزهري عن أبي أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب.
[قال الشافعي]: وأصحاب النبي ﷺ لا يقولون بالسنة، والحق إلا لسنة رسول الله ﷺ إن شاء الله تعالى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن موسى بن وردان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى على الجنازة، وبلغنا ذلك عن أبي بكر الصديق وسهل بن حنيف وغيرهما من أصحاب النبي ﷺ.
[قال الشافعي]: ولا بأس أن يصلى على الميت بالنية فقد (فعل ذلك رسول الله ﷺ بالنجاشي صلى عليه بالنية)، وقال بعض الناس: لا يصلى عليه بالنية، وهذا خلاف سنة رسول الله ﷺ الذي لا يحل لأحد خلافها وما نعلمه روى في ذلك شيئا إلا ما قال برأيه.
قال: ولا بأس أن يصلى على القبر بعدما يدفن الميت بل نستحبه، وقال بعض الناس: لا يصلى على القبر، وهذا أيضا خلاف سنة رسول الله ﷺ الذي لا يحل لأحد علمها خلافها قد (صلى رسول الله ﷺ على قبر البراء بن معرور، وعلى قبر غيره)، أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل: (أن النبي ﷺ صلى على قبر امرأة، وكبر أربعا).
[قال الشافعي]: وصلت عائشة على قبر أخيها، وصلى ابن عمر على قبر أخيه عاصم بن عمر.
[قال الشافعي]: ويرفع المصلي يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة، وأن رسول الله ﷺ رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة، وهو قائم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة.
[قال الشافعي]: وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا، وقال بعض الناس: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، وقال: ويسلم تسليمة يسمع من يليه، وإن شاء تسليمتين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة.
[قال الشافعي]: ويصلي على الجنازة قياما مستقبلي القبلة، ولو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا أعادوا، وإن صلوا بغير طهارة أعادوا، وإن دفنوه بغير صلاة، ولا غسل أو لغير القبلة فلا بأس عندي أن يماط عنه التراب، ويحول فيوجه للقبلة، وقيل: يخرج ويغسل، ويصلى عليه ما لم يتغير فإن دفن وقد غسل، ولم يصل عليه لم أحب إخراجه وصلي عليه في القبر.
[قال الشافعي]: وأحب إذا كبر على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ثم يكبر ثم يصلي على النبي ﷺ ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت، وليس في الدعاء شيء مؤقت، وأحب أن يقول " اللهم عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك، ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وارفع درجته، وقه عذاب القبر، وكل هول يوم القيامة، وابعثه من الآمنين، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، وبلغه بمغفرتك، وطولك درجات المحسنين اللهم فارق من كان يحب من سعة الدنيا، والأهل، وغيرهم إلى ظلمة القبر وضيقه، وانقطع عمله، وقد جئناك شفعاء له ورجونا له رحمتك، وأنت أرأف به اللهم ارحمه بفضل رحمتك فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه ". قال الشافعي]: سمعنا من أصحابنا من يقول المشي أمام الجنازة أفضل من المشي خلفها، ولم أسمع أحدا عندنا يخالف في ذلك، وقال بعض الناس: المشي خلفها أفضل، واحتج بأن عمر إنما قدم الناس لتضايق الطريق حتى كأنا لم نحتج بغير ما روينا عن عمر في هذا الموضع، واحتج بأن عليا رضي الله عنه قال: المشي خلفه أفضل، واحتج بأن الجنازة متبوعة، وليست بتابعة، وقال: التفكر في أمرها إذا كان خلفها أكثر.
[قال الشافعي]: والقول في أن المشي أمام الجنازة أفضل مشى النبي ﷺ أمامها، وقد علموا أن العامة تقتدي بهم، وتفعل فعلهم، ولم يكونوا مع تعليمه العامة نعلمهم يدعون موضع الفضل في اتباع الجنازة، ولم نكن نحن نعرف موضع الفضل إلا بفعلهم فإذا فعلوا شيئا وتتابعوا عليه كان ذلك موضع الفضل فيه والحجة فيه من مشي رسول الله ﷺ أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها، وإن كان في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة، ولم يمشوا في مشيهم لتضايق الطريق إنما كانت المدينة أو عامتها فضاء حتى عمرت بعد فأين تضايق الطريق فيها، ولسنا نعرف عن علي رضي الله عنه خلاف فعل أصحابه؟، وقال قائل هذا الجنازة متبوعة فلم نر من مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة، ولا يشك عند أحد أن من كان أمامها هو معها، ولو قال قائل: الجنازة متبوعة فرأى هذا كلاما ضعيفا لأن الجنازة إنما هي تنقل لا تتبع أحدا، وإنما يتبع بها، وينقلها الرجال، ولا تكون هي تابعة، ولا زائلة إلا أن يزال بها ليس للجنازة عمل إنما العمل لمن تبعها ولمن معها، ولو شاء محتج أن يقول: أفضل ما في الجنازة حملها، والحامل إنما يكون أمامها ثم يحملها لكان مذهبا، والفكر للمتقدم والمتخلف سواء، ولعمري لمن يمشي من أمامها الفكر فيها، وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة، ولا يؤمن عليه إذا كان هكذا أن يمشي، وهو خلفها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه (أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة) أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه (أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة) أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة عن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام زينب بنت جحش أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد مولى السائب قال رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة فتقدما فجلسا يتحدثان فلما جازت بهما الجنازة قاما.
[قال الشافعي]: وبحديث ابن عمر، وغيره أخذنا في أنه لا بأس أن يتقدم فيجلس قبل أن لا يؤتى بالجنازة، ولا ينتظر أن يأذن له أهلها في الجلوس، وينصرف أيضا بلا إذن، وأحب إلي لو استتم ذلك كله.
[قال الشافعي]: أحب حمل الجنازة من أين حملها، ووجه حملها أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الأيمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة السرير المقدمة على عاتقه الأيسر ثم يامنته المؤخرة، وإذا كان الناس مع الجنازة كثيرين ثم أتى على مياسره مرة أحببت له أن يكون أكثر حمله بين العمودين، وكيفما يحمل فحسن وحمل الرجل والمرأة سواء، ولا يحمل النساء الميت، ولا الميتة، وإن ثقلت الميتة فقد رأيت من يحمل عمدا حتى يكون من يحملها على ستة وثمانية على السرير، وعلى اللوح إن لم يوجد السرير، وعلى المحمل، وما حمل عليه أجزأ، وإن كان في موضع عجلة أو بعض حاجة تتعذر فخيف عليه التغير قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه حمل على الأيدي والرقاب، ومشي بالجنازة أسرع سجية مشي الناس لا الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها ما قدروا، ولا أحب لأحد من أهل الجنازة الإبطاء في شيء من حالاتها من غسل أو وقوف عند القبر فإن هذا مشقة على من يتبع الجنازة.