كتاب الأم/كتاب النكاح/ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} وقال {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} وقال عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} فأطلق الله عز وجل ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهن حدا ينتهي إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى أربع ودلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما منه لان يجمع أحد غير النبي ﷺ بين أكثر من أربع لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع وحرم الجمع بين أكثر منهن فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وقال عز وجل: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك. وقوله {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} دليل على أمرين: أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين. والثاني يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة على ذلك قول الله تبارك وتعالى فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أنه ليس من الوجهين اللذين أبيحا للفرج.
[قال الشافعي]: فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم، وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم {ومن كان غنيا فليستعفف} وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا.
فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشيء خلافه فإن قيل كيف يخالفه؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه، ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وأنها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة.
[قال الشافعي]: ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا يملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه، وكذلك ينكح أخت إحداهن.
[قال الشافعي]: ولما قال الله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون لا الذين يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه.