كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب الحوالة والكفالة في الدين

كتاب الأم المؤلف الشافعي
باب الحوالة والكفالة في الدين



باب الحوالة والكفالة في الدين


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله؛ لأنه قد أبرأه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيهما جميعا؛ لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به على الذي عليه الأصل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي مالا إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له، ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال.

وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هما كفيلان جميعا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول قد برئ الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر.

[قال الشافعي]: وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرئ الأول فكلاهما كفيل بنفسه، وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هو له ضامن وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك؛ لأنه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شيء وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضي على فلان، أو شهد لك به عليه شهود، أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشيء من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى له ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شيء مما شهد له بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة.

وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان على الكفيل؛ لأن الدين قد توى، وكان ابن أبي ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا، أو لم يترك.

وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول كفالته باطلة؛ لأنها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول كفالته جائزة لأنها من التجارة.

وإذا أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال عليه ولا يترك مالا، وكان ابن أبي ليلى يقول له: أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة؛ لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال، وإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل، أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل، أو كثر.

وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب، أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وكيف يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضي بخصومته.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل، أو أراد الغيبة، أو لم يردها؛ لأن الموكل له رضي بوكالته ولم يرض بوكالة غيره فإن قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل.

وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي، ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عند القاضي فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول إقراره جائز وبه يأخذ قال وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من الخصومة وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه، وكان ابن أبي ليلى يقول إقراره باطل.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرئ ولا يهب ولا يصالح فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل؛ لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله.

وإذا وكل رجل رجلا في قصاص، أو حد فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد، والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر المدعي وقال أبو يوسف لا أقبل البينة إلا من المدعي ولا أقبل في ذلك وكيلا، وكان ابن أبي ليلى يقول تقبل في ذلك الوكالة.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له، أو قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة، وإذا حضر الحد، والقصاص لم أحده ولم أقتص حتى يحضر المحدود له، والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص ويعفو.

وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلني بها فلان لرجل غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما وبه يأخذ، وقال أبو يوسف رحمه الله بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة، وكان ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه ليست لي هي في يدي وديعة، أو هي علي بكراء، أو أنا فيها وكيل، فمن قضى على الغائب سمع من المدعي البينة وأحضر الذي هي في يديه فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها البينة وكتب في القضاء إني قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء، أو وديعة لم يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما. [قال الربيع]: وحفظي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه يقضي على الغائب.

قال، وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال قد وكلني بقبضه منك فلان فقال الذي عليه المال صدقت، فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أجبره على أن يعطيه إياه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة عليه وأقول أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل مال وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإن دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله، أو تقوم عليه بينة بذلك، وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه، وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره.

وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم، وقد كان أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته، وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشيء أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم، أو لم يحضر وليس الخصم من هذا بسبيل وإنما أثبت له الوكالة على الموكل، وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شيء، وقد يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل.

وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز بيعه لأنه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول ما صنعت من شيء فهو جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا وكله في كل قليل وكثير فباع دارا، أو غير ذلك كان جائزا.

[قال الشافعي]: رحمه الله وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع، أو شراء، أو وديعة، أو خصومة، أو عمارة، أو غير ذلك.

وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا أقبل إلا أن يرضى الخصم، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ.

[قال الشافعي]: رحمه الله وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره، وقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان رضي الله عنه وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولعل عند أبي بكر رضي الله عنه.

[قال الشافعي]: رحمه الله وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها.

كتاب الأم - كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى
كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | باب الغصب | باب الاختلاف في العيب | باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها | باب المضاربة | باب السلم | باب الشفعة | باب المزارعة | باب الدعوى والصلح | باب الصدقة والهبة | باب في الوديعة | باب في الرهن | باب الحوالة والكفالة في الدين | باب في الدين | باب في الأيمان | باب الوصايا | باب المواريث | باب في الأوصياء | باب في الشركة والعتق وغيره | باب في المكاتب | باب في العارية وأكل الغلة | باب في الأجير والإجارة | باب القسمة | باب الصلاة | باب صلاة الخوف | باب الزكاة | باب الصيام | باب في الحج | باب الديات | باب السرقة | باب القضاء | باب الفرية | باب النكاح | باب الطلاق | باب الحدود