كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب الدعوى والصلح

كتاب الأم المؤلف الشافعي
باب الدعوى والصلح



باب الدعوى والصلح


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار، أو دين، أو غير ذلك فأنكر ذلك المدعى عليه الدعوى، ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يجيز الصلح على الإنكار، وكان أبو حنيفة يقول كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الإنكار، وإذا وقع الإقرار لم يقع الصلح.

[قال الشافعي]: رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه، ثم صالح المدعي من دعواه على شيء وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من الأثمان الحلال المعروفة فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الإنكار كان هذا عوضا، والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا بما تصادقا عليه المعوض، والمعوض إلا أن يكون في هذا أثر يلزم فيكون الأثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وبه أقول، وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب، والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الصلح مردود لأن المطلوب متغيب عن الطالب، وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك.

[قال الشافعي]: رضي الله تعالى عنه، وإذا صالح الرجل عن الرجل، والمصالح عنه غائب، أو أنظره صاحب الحق وهو غائب فذلك كله جائز ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور؛ لأن هذا ليس من معاني الإكراه الذي أرده.

وإذا صالح الرجل الرجل، أو باع بيعا، أو أقر بدين فأقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ذلك كله جائز ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل البينة على الإكراه وأرد ذلك عليه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا كان الإكراه في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة على الإكراه وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفا فقال لتقرن، أو لاقتلنك فقال أقبل منه البينة على الإكراه وأبطل عنه ذلك الإقرار.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أكره الرجل الرجل على بيع، أو إقرار، أو صدقة، ثم أقام المكره البينة أنه فعل ذلك كله وهو مكره أبطلت هذا كله عنه، والإكراه ممن كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطانا كان، أو لصا، أو خارجيا، أو رجلا في صحراء، أو في بيت مغلق على من هو أقوى منه، وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحب بعدما قاما من عند القاضي وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما إلا عندي.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما عند القاضي في مجلس الحكم، أو غير مجلسه، أو علم القاضي فإن ثبت لأحدهما على الآخر حق قبل الحكم، أو بعده فالقول فيه واحد من قولين من قال يقضي القاضي بعلمه؛ لأنه إنما يقضي بشاهدين على أنه عالم في الظاهر أن ما شهدا به كما شهدا قضى بهذا، وكان علمه أولى من شهادة شاهدين وشهود كثيرة؛ لأنه لا يشك في علمه ويشك في شهادة الشاهدين ومن قال القاضي كرجل من الناس قال إن حكم بينهما لم يكن شاهدا وكلف الخصم شاهدين غيره، وكان حكمه كحكم من لم يسمع شيئا ولم يعلمه وهذا قول شريح قد جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال ائتني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك قال أنت تعلم حقي قال فاذهب إلى الأمير فاشهد لك ومن قال هذا قال إن الله عز وجل تعبد الخلق بأن تؤخذ منهم الحقوق إذا تجاحدوا بعدد بينة فلا تؤخذ بأقل منها ولا تبطل إذا جاءوا بها وليس الحاكم على يقين من أن ما شهدت به البينة كما شهدت، وقد يكون ما هو أقل منها عددا أزكى فلا يقبل وما تم العدد أنقص من الزكاة فيقبلون إذا وقع عليهم أدنى اسم العدل ولم يجعل للحاكم أن يأخذ بعلمه كما لم يجعل له أن يأخذ بعلم واحد غيره ولا أن يكون شاهدا حاكما في أمر واحد كما لم يكن له أن يحكم لنفسه لو علم أن حقه حق [قال الربيع]: الذي يذهب إليه الشافعي أنه يحكم بعلمه؛ لأن علمه أكبر من تأدية الشاهدين الشهادة إليه وإنما كره إظهار ذلك لئلا يكون القاضي غير عدل فيذهب بأموال الناس.

وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأي القاضي فارتفعا إلى ذلك القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ينبغي لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم بينهما وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول حكمه عليهما جائز.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا اصطلح الرجلان على أن يحكم الرجل بينهما في شيء يتنازعان فيه فحكم لأحدهما على الآخر فارتفعنا إلى القاضي فرأى خلاف ما يرى الحكم بينهما فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين إما أن يكون إذا اصطلحا جميعا على حكمه ثبت القضاء وافق ذلك قضاء القاضي، أو خالفه فلا يكون للقاضي أن يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم القاضي غيره من خلاف كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو شيء داخل في معناه وإما أن يكون حكمه بينهما كالفتيا فلا يلزم واحدا منهما شيء فيبتدئ القاضي النظر بينهما كما يبتدئه بين من لم يحاكم إلى أحد.

كتاب الأم - كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى
كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | باب الغصب | باب الاختلاف في العيب | باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها | باب المضاربة | باب السلم | باب الشفعة | باب المزارعة | باب الدعوى والصلح | باب الصدقة والهبة | باب في الوديعة | باب في الرهن | باب الحوالة والكفالة في الدين | باب في الدين | باب في الأيمان | باب الوصايا | باب المواريث | باب في الأوصياء | باب في الشركة والعتق وغيره | باب في المكاتب | باب في العارية وأكل الغلة | باب في الأجير والإجارة | باب القسمة | باب الصلاة | باب صلاة الخوف | باب الزكاة | باب الصيام | باب في الحج | باب الديات | باب السرقة | باب القضاء | باب الفرية | باب النكاح | باب الطلاق | باب الحدود