كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب صلاة الخوف
[قال]: وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في صلاة الخوف : يقوم الإمام وتقوم معه طائفة فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين ويسجدون معه فينفلتون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين ويسلم الإمام فينفلتون هم من غير تسليم ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم يسلمون وذلك لقول الله عز وجل {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عباس وإبراهيم النخعي وكان ابن أبي ليلى يقول : يقوم الإمام والطائفتان جميعا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعا ويسجد الإمام والصف الأول ويقوم الصف الآخر في وجوه العدو فإذا رفع الإمام رفع الصف الأول رءوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر فإذا فرغوا من سجودهم قاموا ثم تقدم الصف المؤخر ويتأخر الصف الأول فيصلي بهم الإمام الركعة الأخرى كذلك ويحدث بذلك ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ وكان ابن أبي ليلى يقول : إذا كان العدو في دبر القبلة قام الإمام وصف معه مستقبل القبلة والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذي مع الإمام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية فيركعون جميعا ويسجد معه الصف الذي معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الإمام وهم جميعا .
[قال الشافعي]: وإذا صلى الإمام صلاة الخوف مسافرا جعل طائفة من أصحابه بينه وبين العدو وصلى بطائفة ركعة ثم ثبت قائما يقرأ وصلوا لأنفسهم الركعة التي بقيت عليهم وتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا وقاموا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فكبروا لأنفسهم وصلى بهم الركعة التي كانت بقيت عليه فإذا جلس في التشهد قاموا فصلوا الركعة التي بقيت عليهم ثم جلسوا فتشهدوا فإذا رأى الإمام أن قد قضوا تشهدهم سلم بهم وبهذا المعنى صلى النبي ﷺ صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وقد روي عنه في صلاة الخوف خلاف هذا وهذا مكتوب في كتاب الصلاة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه وبينهم ولا سترة وحيث لا يناله النبل وكان العدو قليلا مأمونين وأصحابه كثيرا وكانوا بعيدا منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع: صلى بأصحابه كلهم فإذا ركع ركعوا كلهم وإذا رفع رفعوا كلهم وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفا يكونون على رأسه قياما فإذا رفع رأسه من السجدتين فاستوى قائما أو قاعدا في مثنى اتبعوه فسجدوا ثم قاموا بقيامه وقعدوا بقعوده وهكذا كان ﷺ في غزوة الحديبية بعسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وكان خالد في مائتي فارس منتبذا من النبي ﷺ في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر والنبي ﷺ في ألف وأربعمائة ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا جهر الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة عمدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: قد أساء وصلاته تامة وكان ابن أبي ليلى يقول: يعيد بهم الصلاة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا جهر الإمام في الظهر أو العصر أو خافت في المغرب أو العشاء فليس عليه إعادة وقد أساء إن كان عمدا.
وإذا صلى الرجل أربع ركعات بالليل ولم يسلم فيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا بأس بذلك وكان ابن أبي ليلى يقول: أكره ذلك له حتى يسلم في كل ركعتين وبه يأخذ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: صلاة الليل والنهار من النافلة سواء يسلم في كل ركعتين، وهكذا جاء الخبر عن النبي ﷺ في صلاة الليل وقد يروى عنه خبر يثبت أهل الحديث مثله في صلاة النهار ولو لم يثبت كان إذ أمر رسول الله ﷺ في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين كان معقولا في الخبر عنه أنه أراد والله تعالى أعلم الفرق بين الفريضة والنافلة ولا تختلف النافلة في الليل والنهار كما لا تختلف المكتوبة في الليل والنهار لأنها موصولة كلها [قال]: وهكذا ينبغي أن تكون النافلة في الليل والنهار.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: والتكبير على الجنائز أربع وما علمت أحدا حفظ عن النبي ﷺ من وجه يثبت مثله أنه كبر إلا أربعا وكان أبو حنيفة يكبر على الجنائز أربعا وكان ابن أبي ليلى يكبر خمسا على الجنائز.
[قال الشافعي]: ويجهر في الصلاة ب بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن وقبل السورة التي بعدها فإن جمع في ركعة سورا جهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم} قبل كل سورة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن يجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم} وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا جهرت فحسن وإذا أخفيت فحسن.
[قال]: وذكر عن ابن أبي ليلى عن رجل توضأ ومسح على خفيه من حدث ثم نزع الخفين قال: يصلي كما هو وحدث بذلك عن الحكم عن إبراهيم وذكر أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال: لا يصلي حتى يغسل رجليه وبه يأخذ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا صلى الرجل وقد مسح على خفيه ثم نزعهما أحببت له أن لا يصلي حتى يستأنف الوضوء لأن الطهارة إذا انتقضت عن عضو احتملت أن تكون على الأعضاء كلها فإذا لم يزد على غسل رجليه أجزأه وقد روي عن ابن عمر أنه توضأ وخرج إلى السوق ثم دعي لجنازة فمسح على خفيه وصلى.
وذكر عن الحكم أيضا عن إبراهيم أنه قال لا بأس بعد الآي في الصلاة [قال]: ولو ترك عد الآي في الصلاة كان أحب إلي وإن كان إنما يعدها عقدا ولا يلفظ بعددها لفظا لم يكن عليه شيء وإن لفظ بشيء من ذلك لفظا فقال: واحدة وثنتان وهو ذاكر لصلاته انتقضت صلاته وكان عليه الاستئناف.
قال وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: يتم ما قد بقي ولا يعيد على ما مضى وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقي وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاده على ما جف.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ورأيت المسلمين جاءوا بالوضوء متتابعا نسقا على مثل ما توضأ به النبي ﷺ فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لغير عذر من انقطاع الماء وطلبه بنى على وضوئه ومن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا أنه أخذ في عمل غيره فأحب إلي أن يستأنف وإن أتم ما بقي أجزأه.
أخبرنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يتشهد ويسلم وبه يأخذ أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يرى بذلك بأسا وبه يأخذ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو ترك المصلي مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان أحب إلي فإن فعل فلا شيء عليه.