كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب في الأيمان
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا نرى عليه يمينا مع شهوده ومن حجته في ذلك أنه قال بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: (اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي) فلا نجعل على المدعي ما لم يجعل عليه رسول الله ﷺ لا تحول اليمين عن الموضع الذي وضعها عليه النبي ﷺ وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول على المدعي اليمين مع شهوده، وإذا لم يكن له شهود لم يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه فإن قال المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا كان كذلك وهذا في الدين.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه، ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن لإحلافنا مع الشاهد معنى، وكان خلافا لقول النبي ﷺ: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)، وإذا ادعى رجل على رجل دعوى ولا بينة له أحلفنا المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل قلنا لصاحب الدعوى لسنا نعطيك بنكوله شيئا إلا أن تحلف مع نكوله فإن حلفت أعطيناك وإن امتنعت لم نعطك ولهذا كتاب في كتاب الأقضية.
وإذا ورث الرجل ميراثا دارا، أو أرضا، أو غير ذلك فادعى رجل فيها دعوى ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا، وكذلك كان ابن أبي ليلى يقول أيضا وإنما جعل أبو حنيفة رضي الله عنه على هذا اليمين على علمه؛ لأن الميراث لزمه إن شاء وإن أبى، والبيع لا يلزمه إلا بقبول، وإذا كان الشيء لا يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع، والهبة والصدقة فاليمين في ذلك ألبتة، والميراث لو قال لا أقبله كان قوله ذلك باطلا، وكان الميراث له لازما فلذلك كانت اليمين على علمه في الميراث وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير ذلك.
[قال الشافعي]: رحمه الله وإذا ورث الرجل دارا، أو غيرها فادعى رجل فيها دعوى سألناه عن دعواه فإن ادعى شيئا كان في يدي الميت أحلفنا الوارث على علمه ما يعلم له فيها حقا، ثم أبرأناه وإن ادعى فيها شيئا كان في يدي الوارث أحلفناه على البت نحلفه في كل ما كان في يديه على البت وما كان في يدي غيره فورثه على العلم، وإذا استحلف المدعى عليه على دعواه فحلفه القاضي على ذلك، ثم أتى بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقبل منه ذلك؛ لأنه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشريح أنهما كانا يقولان اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقبل منه البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى ولم يأت عليه ببينة وأحلفه القاضي فحلف، ثم جاء المدعي ببينة قبلتها وقضيت له بها ولم أمنع البينة العادلة التي حكم المسلمون بالإعطاء بها باليمين الفاجرة.