كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب في الرهن
[أخبرنا الربيع] قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الرهن بما فيه، وقد بطل الدين وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله؛ لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه، أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه، أو في يدي العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شيء، وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا.
وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الرهن بين الغرماء، والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم، وإذا كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد.
[قال الشافعي]: رضي الله تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين، وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين، أو يدي غيره فسواء، والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له في مال الميت.
وإذا رهن الرجل الرجل دارا، ثم استحق منها شقص، وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الرهن باطل لا يجوز وبهذا يأخذ حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع لدينه، وكان ابن أبي ليلى يقول ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن، ثم استحق من الدار شيء كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذي كانت الدار به رهنا، ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جاز أن يكون رهنا، والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن.
وإذا وضع الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل، ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول للعدل أن يبيع الرهن، ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لابطل الرهن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يبيع، وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وضع الراهن الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان، أو برضا الوارث؛ لأن الميت وإن رضي بأمانته في بيع الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث، والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن.
وإذا ارتهن الرجل دارا، ثم أجرها بإذن الراهن فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي رهن على حالها، والغلة للمرتهن قضاء من حقه.
[قال الشافعي]: رضي الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن، أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن؛ لأنه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا أن نجعل الكراء رهنا، أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن ليس هو المرهون، ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها، أو استغلها، ثم ردها بعيب كان السكن، والغلة للمشتري، ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لأن ما أخذ من الدار من أصل البيع، والكراء، والغلة ليس أصل البيع فلما كان الراهن إنما رهن رقبة الدار، وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ارتهن الرجل ثلث دار، أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز. ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل دارا، أو دابة فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة، أو الدار أن ينتفع بالدار، أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن؛ لأنه شيء يملكه الراهن دون المرتهن، وإذا كان شيء لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الأصل، ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن، ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن.