كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب في الشركة والعتق وغيره
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف درهم وللآخر أكثر من ذلك. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول ليست هذه بمفاوضة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هذه مفاوضة جائزة، والمال بينهما نصفان.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وشركة المفاوضة باطلة ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال بالمال، والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه معا من تجارة، أو إجارة، أو كنز، أو هبة، أو غير ذلك فهو له دون صاحبه، وإن زعما بأن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة فيه فاسدة ولا أعرف القمار إلا في هذا، أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال كان يجوز فإن قال لا يجوز؛ لأنه عطية ما لم يكن للمعطى ولا للمعطي وما لم يعلمه واحد منهما أفتجيزه على مائتي درهم اشتركا بها؟ فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز أرأيت رجلا وهب له هبة، أو أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل، أو هبة أيكون الآخر فيها شريكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا.
[قال]: ولو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر كان الخيار للآخر في قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد ويكون الولاء للشريك كله وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شيء، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول هو حر كله يوم أعتقه الأول، والأول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء ولا يخير صاحبه في أن يعتق العبد، أو يستسعيه، ولو كان الذي أعتق العبد معسرا كان الخيار في قول أبي حنيفة للشريك الآخر إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها، والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه، والولاء بينهما، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان معسرا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه، والولاء كله للذي أعتقه وليس للآخر أن يعتق منه شيئا، وكان يقول إذا أعتق شقصا في مملوك فقد أعتقه كله ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقا وبعضه حرا وبه يأخذ أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقا؟ فإن كان ما أعتق منه يكون رقيقا فقد عتق فكيف يجتمع في معتق واحد عتق ورق؟، ألا ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق وبعضها امرأة للزوج على حالها. وكذلك الرقيق وبهذا يأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه على الذي أعتقه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يعتق بعضه وبعضه رقيق وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه شيء رقيق، أو يسعى في قيمته أرأيت لو أن الشريك قال نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا، هل كان يعتق منه ما لا يملك؟، وإذا أعتق منه ما يملك، فكيف يعتق منه ما لا يملك؟ وهل يقع عتق فيما لا يملك الرجل؟
[قال الشافعي]: رحمه الله وإذا كان العبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه منه فإن كان موسرا بأن يؤدي نصف قيمته فالعبد حر كله، والولاء للمعتق الأول ولا خيار لسيد العبد الآخر، وإن كان معسرا فالنصف الأول حر والنصف الثاني لمالكه ولا سعاية عليه وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم كان مما احتجوا به في هذا الكتاب أن قال قائلهم كيف تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك لا يكون كما لا تكون المرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق فإن زعم أن العبد يكون فيه الرق، والحرية قياسا على المرأة قيل له: أيجوز للرجل أن ينكح بعض امرأة؟ فإن قال لا، لا تكون إلا منكوحة كلها، أو غير منكوحة قيل له: أفيجوز أن يشتري بعض عبد؟ فإن قال نعم قيل له: فأين العبد من المرأة؟ وقيل له: أيجوز له أن يكاتب المرأة على الطلاق ويكون ممنوعا حتى تؤدي الكتابة، أو تعجز؟ فإن قال: لا قيل: أفيجوز هذا له في العبد؟ فإن قال: نعم قيل: فلم تجمع بينهما؟ فإن قال لا يجتمعان قيل، وكذلك لا يجتمعان حيث جمعت بينهما، ويقال له أيضا أتكون المرأة لاثنين كما يكون العبد مملوكا لاثنين ويكون لزوج المرأة أن يهبها للرجل فتكون زوجة له كما يكون العبد إذا وهبه صار عبدا لمن وهبه له؟ فإن قال: لا قيل فما بال المرأة تقاس على المملوك ويقال له أرأيت العبد إذا عتق مرة أيكون لسيده أن يسترقه كما يكون له إذا طلق المرأة مرة أن يكون له رجعتها؟ فإن قال: لا قيل فما نعلم شيئا أبعد مما قاسه به منه.
[قال]: ولو أن عبدا بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لأنها منفعة تصل إليه وليس ذلك له دون صاحبه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها، ولو أن الشريك أعتق العبد كان العتق باطلا في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة فإن أداها إلى صاحبها عتق، وكان الذي كاتب ضامنا لنصف القيمة، والولاء كله له، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: عتق ذلك جائز ويخير المكاتب فإن شاء ألغى الكتابة وعجز عنها وإن شاء سعى فيها، فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب بالخيار إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرا وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق العبد فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد بما ضمن.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فالكتابة مفسوخة وما أخذ منه بينهما نصفان ما لم يؤد جميع الكتابة فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب، وكان كمن ابتدأ العتق في عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا عتق عليه كله وإن معسرا عتق منه ما عتق، ولو ردت الكتابة قبل الأداء كان مملوكا بينهما، ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتبه قبل الأداء كان نصفه منه حرا فإن كان موسرا ضمن نصفه الباقي؛ لأن الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد؛ لأن عقد الكتابة كان فاسدا وإن كان معسرا عتق منه ما عتق، وكانت الكتابة بينهما باطلة إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها.
[قال]: ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول ليس للآخر أن يبيعه لما دخل فيه من العتق وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يبيع حصته، وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هو له خاصة وبهذا يأخذ، قال وتنتقض المفاوضة إذا قبض ذلك، وكان ابن أبي ليلى يقول هو بينهما نصفان.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فدبره أحدهما فللآخر بيع نصيبه؛ لأن التدبير عندي وصية، وكذلك للذي دبره أن يبيعه وهذا مكتوب في كتاب المدبر ومن زعم أنه ليس للمدبر أن يبيع المدبر لزمه أن يزعم أن على السيد المدبر نصف القيمة لشريكه إن كان موسرا ويكون مدبرا كله كما يلزمه هذا في العتق إذا جعل هذا عتقا يكون له بكل حال فإن قال فالعتق الذي ألزمته فيه نصف القيمة عتق واقع مكانه قيل فأنت تزعم في الجارية بين الرجلين يطؤها أحدهما فتلد أنها أم ولد وعليه نصف القيمة وهذا عتق ليس بواقع مكانه إنما هو واقع بعد مدة كعتق المدبر يقع بعد مدة.
وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما، ثم أعتقه الآخر ألبتة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته مدبرا وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا ويرجع به المعتق على العبد، والولاء بينهما نصفان، وكان ابن أبي ليلى يقول التدبير باطل، والعتق جائز، والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى فيه العبد، ثم يرجع على المعتق، والولاء كله للمعتق وقال أبو يوسف إذا دبره أحدهما فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته وعتق الآخر باطل لا يجوز فيه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر بتاتا فإن كان موسرا فالعبد حر كله وعليه نصف قيمته وله ولاؤه وإن كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر ومن زعم أنه لا يبيع المدبر فيلزمه أن يبطل العتق الآخر ويجعله مدبرا كله إذا كان المدبر الأول موسرا؛ لأن تدبير الأول عتق، والعتق الأول أولى من الآخر قال وهكذا قال أهل القياس الذين لم يبيعوا المدبر.