كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب في الوديعة
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه فالقول قول رب الوديعة، والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها، ثم قال المستودع أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما؛ لأنه أتلف ما استودع بجهالته. ألا ترى أنه لو قال هذا استودعنيها، ثم قال أخطأت، بل هو هذا كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك؛ لأن قوله أتلفه، وكذلك الأول إنما أتلفه هو بجهله وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في الأول ليس عليه شيء، الوديعة، والمضاربة بينهما نصفان.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد، والبعير والدار فقال هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا لا وقال كل واحد منهما هو لي أحلف بالله لا يدري لأيهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه، أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه، أو يحلفا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما. وفيها قول آخر يحتمل وهو أن يحلف الذي في يديه الوديعة، ثم تخرج من يديه ولا شيء عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه ومن قال هذا القول قال هذا شيء ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لأحدهما لا لهما.
وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو ضامن لأنه خالف وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا، أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت؛ لأن المستودع رضي بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره، وكان متعديا ضامنا إن تلفت.
وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة؛ لأن الوديعة شيء مجهول ليس بشيء بعينه وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب الوديعة إذا علم ذلك، وكذلك قال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة. الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعطاء مثل ذلك. الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله.
[قال الشافعي]: رضي الله تعالى عنه: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر الوديعة بعينها، أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد، أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.