كتاب الزهرة/الباب التاسع والثمانون ذكر ما جاء في الشعر من معنى مستور لا يفهمه سامعه إلا بتفسير

​ذكر ما جاء في الشعر من معنى مستور لا يفهمه سامعه إلاَّ بتفسير​ المؤلف أبو بكر محمد بن داود الظاهري
الباب التاسع والثمانون


الباب التاسع والثمانون ذكر ما جاء في الشعر من معنى مستور لا يفهمه سامعه إلاَّ بتفسير

قال الشاعر:

ومستخذل يدعو الصباح وقد رأى
عرانين مشهور من الصبح أبلقا
إلى غير هيجا أصبحت غير أنَّه
دجا فوقه ليل التمام فأطرقا

وقال آخر:

أبا زُرارة لا تبعد فكلُّ فتى
يوماً رهين صفيحات وأعوادِ
إنِّي وإياكم حتَّى يُصاب به
منكم ثمانيةٌ في ثوب حدَّادِ

هذا من الحداد، يقال أحدت المرأة، وحدّت المعنى واحد. قال يزيد ابن خذّاق:

وإذا أضاء لك الطَّريق وأنهجت
منه المسالك والهدى يعدي

أنهجت: بيَّنت. وأنهج الثوب: أخلق، ويعدي: يعين، ومنه أعداني السلطان على فلان، أي أعانني عليه. يقول: أضاء الطَّريق وبيَّنه لك، يعمل على أمرك، ويدلك على قصدك.

وقال القطامي:

زمان الجاهلية كلّ حي
أبَوْنا من فصيلتهم لِماعا

لماع: طرائق. الواحد: لمعة. والفصيلة: فخذ الرَّجُل الَّذي هو منها. وقال جُعيل الفهمي الهمداني:

وربعيٍّ نحرتُ علَى حوارٍ
بحمد ثلاثة من بعد حَيْن
فراحوا حامدين ورحن بُحّاً
ولم أحفل بهزهزة الحنين

الربعي: الَّذي ولدته الناقة في الربيع، وثلاث: يعني نوقاً كان يرتضع ولد الناقة منهن وثلاثة أضياف، فراحوا حامدين، وراح النوق بُحّاً من شدة الحنين لفقد ولد الناقة.

وقال آخر:

لما نزلنا حاضر المدينه
بعد سباق عُصبة مُبينة
صرنا إلى جارية مكينه
ذات سرورٍ عينُها سخينه
فباكرتها جفنة بطينه
لحم جزور عندها سمينه

الجارية: عين ماء تجري، ومكينة من الأرض، ذات سرور: تُسر واردها، وسخينة: ماؤها، وسمينة: مسمونة بالسمن.

وقال آخر:

لقد حزّمت راحلتي غدواً
لأحملها وتحملني وزادي
فما عدّيت دونك عيث وادٍ
فأخطى في لياليه اعتيادي

حزمت وزممت بمعنى، وراحلته: بغلته، فحملها وتحمله وإياه من موضع قريب فلم يعتد بطول سفره.

وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:

ليَهنئ تُراثي لأمري غير ذلَّةٍ
صنابر أُحدانٌ لهنَّ حفيفُ
سريعاتُ موتٍ ريّثاتُ إفاقةٍ
إذا ما حُملنَ حملهُن خفيف

قال: أراد سهاماً، صنابر: دقاقاً، وأحدان: أفراد. سريعات موت: يمتن من رمي بهن، لا يُفيق، منهن سريعاً، وحملهن خفيف علَى من يحملهن.

وقال آخر في مثل ذلك:

فما شيء يزيد علَى ذراعٍ
له في الرأس أجنحة ثلاثُ
يطير بها وليس هناك روح
فتركبه الذكورة والإناثُ
إذا أرسلته ولَّى سريعاً
وليس به إذا سقط انبعاثُ

وقال آخر:

وداويَّةٍ جرداء جدّاء خيمت
بهاء هبوب الصيف من كل جانب
أنخت بها الوجناء من غير فترةٍ
ليثنين عبداً بين آتٍ وذاهب

جرداء: لا ينبت قمحها، وجداء: لا ماء فيها، والوجناء في قول الأصمعي: الناقة الغليظة شبهت بالوجين، وهو الغليظ من الأرض، وفي قول أبي عمرو، وهي غليظة الوجين لا يثنين ركعتين، وآتين اللَّيل والنهار.

وقال الثمال بن قطيف:

وقد أخرجت من دوركم ذات أعين
مُطوَّقة الأعناق مُلس الحقائب
مخرَّقة الآذان نهلٌ وجوهها
حسان المجال ليّنات المضارب
فروع الشّوى صفر الصياصي كأنها
شيوخ من الأعراب حمر العصائب

يعني الديكة.

وقال آخر:

أبصرتُ جاريةً في بطنها رجلٌ
في فخذه جمل في ظهره قتب

الجارية: السفينة، في بطنها رجل، في فخذه جمل. يعني في قبيلته، في ظهر الجمل قتب.

وقال آخر:

وسربُ ملاح قد رأيتُ وجوهَهُ
أناثٍ أدانيه ذكوراً أواخره

وسرب ملاح: يعني الثغر. وإناث أدانيه: يعني الثنيين والنابين والناجذين مؤنثان: وما خلف ذلك مذكر.

وقال مسكين بن علي الحنظلي:

أصبحتْ عاذلتي مُعْتلَّةً
قرمتْ بل هي وحمى للصخبْ
أصبحت تتفل في شحم الذُّرى
وتعد اللوم داراً يُنتهبْ
لا تلمْها إنَّها من نسوةٍ
ملحُها موضوعة فوق الركبْ

الوحمى: الَّتي تشتهي شيئاً، فشبه شهوتها للصخب بذلك، وتتفل في شحم الذرى، أي تعود الإبل. وتعد اللوم درّاً: أي تحرص عليه كما تحرص على نهب الدر، وملحها موضوعة فوق الركب، حكي عن ابن الأعرابي عن الأصمعي أنَّه قال: إنَّها زنجية، والملح: السمن قال: سمنها في عجيزتها، ويقال: ملح الغلام وحلم: إذا سمن بمعنى واحد.

ومنه قول أوس:

إلى سنةٍ جرذانها لم تَحَلَّم

وقال آخر:

ربّ شيخ رأيته صار كلباً
ثمَّ من ساعتين صار غزالا
رب ثورٍ رأيت في حُجر نملٍ
وقطاة تحمل الأثقالا

صار غزالاً من قول الله عز وجل فصُرن إليك، أي فاضممهنَّ إليك، يقول: ضمَّ إليه كلباً ثمَّ ضم إليه غزالاً في ساعتين، وثور: دابة، شبه القرادة، رآه في حجر نمل. وقطاة: يعني الَّتي مع القتب تشبه البكرة وتشد عليها الحبال.

وقال آخر:

أكلت دجاجتين وديكتان
كما أكل المفضل ديكتان

يريد دجاج تين وديك تين المرأتين أيضاً كما قال المفضل ديك تان من التناء.

وقال آخر:

شربنا فأدلجنا وكانت ركابنا
يسرن بنا في غير برِّ ولا بحر
مطايا يُقرّبن البعيد وإنَّما
يقربن أشلاء الكريم من القبر

وقال آخر:

فما مقبلات مُديبرات......
مفرقة الأسماء واللونُ واحدُ
يصادف في إعراضهنَّ حلاوة
ومنهن مُرّات وسخن وباردُ

يصف الأيَّام في إعراضهن من المكروه والمحبوب.

وأنشدني أحمد بن يحيى في صفة البرغوث:

يُؤرقني حدبٌ صغار أذلةٌ
وإن الَّذي يؤذيهُ لذليلُ
إذا ما قتلناهن أضعفن كثرة
علينا ولا يُنْعى لهن قتيلُ

وقال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز:

حُمّلت أمراً عظيماً فاصطبرتَ له
وقُمتَ فيه بأمر الله يا عُمرا
فالشَّمس كاسفة ليست بطالعة
تبكي عليك نجومَ اللَّيل والقمرا

يعني الشَّمس ليست بكاسفة نجوم اللَّيل ولا القمر وقد تبكي عليك بين فعل الشَّمس ومفعولها.

وقال آخر:

ألا لا تصل لاتصل
حرامٌ عليك فلا تفعلِ
فإن المصلي إلى ربه
من النَّار في الدرك الأسفلِ

الصلا: الدرك ومنه للفرس الَّذي يجيء تالي السابق المصلى فكأنه ينهاه عن إتيان جاريته في الدبر في مصلاها وليس هذا في النَّار المصلي.

وقال آخر:

إنَّني شيخ كبير
كافر بالله سيري
أنت ربي وإلهي
رازق الطفل الصغير

كافر: مغطى بالله. سيري: ابتدأه.



هامش