كتاب الزهرة/الباب السادس والستون ذكر من أسدى المعروف إليه فشكره وأظهر ما عليه
الباب السادس والستون ذكر من أسدى المعروف إليه فشكره وأظهر ما عليه
ذكروا أن القطامي كان يهجو قيساً فأسره زفر بن الحارث فامتن عليه وأمر له بمائة من الإبل فامتدحه بعد ذلك بأشعار كثيرة منها قوله:
وقال ذو الرُّمَّة:
وقال محمد بن سعيد السعدي:
وقال آخر:
وقال آخر:
وهذا الكلام حسن إن ترك على جملته، وقبيح إن كشف عن حقيقته، وذلك أن صاحبه لم يقصد بشكره، وإلى أن يؤدي الحق الَّذي لزمه في نفسه وإنَّما قصد إلى أن ولي النعمة يشكره وفي إظهار الشكر خلال كثيرة كل واحدة منها أجلَّ من هذه الخلة قدراً، وأجمل منها ذكراً، على أن هذه وإن كان غيرها أحسن في الحقيقة منها فإنَّه لاعناً بالمنعم عليه عنها لئلا يقع عنده. أن إمساكه قصدٌ منه إلى كفران نعمته، فيمنعه ذلك من معاودة الأنعام عليه، وعلى مثله كما قال عنترة العبسي:
وقد غلط قوم من المتفلسفين غلطاً دخلوا به في جملة جهال المتكبرين فزعموا أن إظهار الشكر وتلقيه بالقبول قبيحان وأنهما جميعاً يدلان من الشاكر والمشكور على صغر النفس، ونقصان الهمة. وليس الأمر كذلك بل تركه يدل على كفران النعمة، والاستكبار عن قبوله يدل على قلة الفهم، وضعف الروية، إذْ الله جلّ ثناؤه وهو خالق الخلق بتفضله وموفق من شاء منهم لطاعته ويسمي نفسه تبارك وتعالى شاكراً فإذا جاز أن يكون الله تبارك وتعالى شاكراً لمن أطاعه على طاعته إياه وهو الموفق لها وخالق القدرة على فعلها فكيف ينكر على من ابتدأه مخلوق مثله بنعمه أن يظهرها وأن يشكر لموليه إياها على فعلها وإذا كان الله جلّ ثناؤه يحض على شكر نفسه ويقبله من خلقه فكيف ينساغ للمخلوق أن يأباه ويترفع عن قبوله ولقد أحسن الَّذي يقول: