كل يوم مودع أو مودع

كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ

​كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ
بفراقٍ من الزمان متنوَّعْ
فانقطاع الوصال كم يتمادى
وحصاةُ الفؤاد كم تتصدَّعْ
ليت شعري هل أرتدي بظلامٍ
لا يراني الضياءُ فيه مروّعْ
بحداءٍ من واصفِ البين غادٍ
وَنَعيبَ من حالكِ اللّون أبقع
فبنارِ الأسى يُحرّق قلبُ
وبماءِ الهوى يُغرقُ مدمعْ
هذه عادةُ الليالي فلمها
وهي لا تسمعُ الملامة، أو دعْ
تطعنُ الحيّ فالجسوم بواقٍ
في يدِ السّقْمِ والنفوسُ تُشَيَّع
وكأن الحسان زُودنَ صبري
فهو بالبين بينه نيوزع
كلّ نمامةِ الرياح تلاقي
منه أنفاسَ روضةٍ تتضوّع
يلمعُ الماءُ في سنا الخدّ منها
فكأن الرحيقَ منه يشعشع
تنتحي بالأراك ثغرَ أقاحٍ
للندى فيه ريقةٌ تتميّع
نصّلتْ في القوام باللحظ منها
صعدةً في يدِ الملاحة تُشرعْ
تجرحُ القلبَ، والأديمُ صحيحٌ
فعن السحر منه حدثتُ فاسمع
قفْ وقوفَ الحيا بدمنَةِ ربعٍ
ضَيّعَ الدمعَ فيه رسمٌ مُضَيّع
دارسٌ لا تزالُ غُبْرُ السّوافي
تَفْرِقُ التربَ فيه ثُمّتَ تجمع
كم به من سوانح في المغاني
آمناتٍ من نبأة الخوف ترتعْ
وظباءٍ كأنهنَّ دُماهُ،
حينَ تَرْنُو، لو أنَّها تَتَبَرْقَعْ
وحبيسٍ على الفلا زمخريٍ
خاضبٍ أفتخِ الجناحين أقزعْ
رافِعٍ في الهواءِ طُولى عليها
عنقٌ كاللّواءِ في الجيش يُرْفَعْ
تحسب العين رجله نصب رحل
أصلمٌ ليتَ أنّه كان أجدعْ
إنّ ثوبَ الصبا يمزّق مني
ما الذي بالخضاب منه يُرقَّعْ
فعصتني الفناةُ كيداً وكانتْ
في الهوى من يدي إلى الفم أطوعْ
أنْبَتَ الدهر في المفارقِ شيباً
بهموم في مُضْمَرِ القلب يُزْرع
وابتدا والنوى بيمناه تبدي
صورة الماء في السراب، فتخدع
بشمالٍ تثني عليها جنوباً
بهبوبٍ، يقلقلُ الكورَ زعزع
كلما أمرعت ببقلٍ جُفالٍ
قلتُ بالحمر من حمى القيظ تُلذعْ
حيثُ أذكتْ ذكاءُ فيها أوارا
يلفحُ الوجهَ في اللثام فيسفعْ
وإذا ما لَمَسْتَ جَدْوَلَ ماءٍ
خلتهُ حيةً من الحر تلسعْ
أنا نبعٌ لا خروعٌ عند عمري
وأرى العود منه نبعٌ وخروع
لستُ أُثْنِي عن السُّرى في طريقٍ
خَيّمَ الليلُ فوقه وهو خيدع
فكأني خُلقتُ جوّابَ أرضٍ
أصلُ العزم حشوها وهي تقطعْ
وكأنَّي في مِقْوَلٍ من زماني
مَثَلٌ وافدٌ على كلّ مسمع