لم نؤت ليلتنا الغراء من قصر

لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ

​لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ
لولا وصالُ ذوات الدلّ والخفر
السافراتُ شموساً كلما انتقبتْ
تبرّجتْ مشبهاتُ الأنجم الزُّهرِ
من كل حوراء لم تُخذلْ لواحظها
في الفتك مذ نصرتها فتكة النظر
أوْ كلّ لمياءَ لو جادتْ بريقِ فمٍ
نَقَعَتْ حَرّ غليلي منه في الخَصَر
محسودةُ الحسن لا تنفكّ في شَغَفٍ
منها بصبحٍ صقيل الليل في الشعر
لا تأمننّ الردى من سيف مقلتها
فإنَّه عرضٌ في جوهر الحَوَرِ
إني امرؤ لا أرى خلعَ العذار على
من لا يقومُ عليه في الهوى عُذري
فما فُتنتُ بردفٍ غيرِ مُرْتَدَفٍ
ولا جننتُ بخصرٍ غير مختصرِ
وشربةٍ من دم العنقود لو عُدمتْ
لم تُلْفِ عيشاً له صفوٌ بلا كدَر
إذا أدير سناها في الدجى غمستْ
دُهْمَ الحنادس في التحجيل والغررِ
تزداد ضِعْفاً قواها بَلَغَتْ
بها الليالي حدودَ الضَّعف والكبر
لا يسمعُ الأنفُ من نجْوَى تأرّجها
إلاَّ دعاويَ بين الطيب والزهر
إذا النديمُ حَساها خلَت جريتها
نجماً تصوّبَ حتى غار في قمرِ
تصافح الراحَ من كاساتها شُعَلٌ
ترمي مخافة لمسِ الماء بالشررِ
تعلو كراسيَّ أيدينا عرائسها
تُجْلَى عليهنّ بين الناي والوتر
حتى تَمَزَّقَ سترُ الليلِ عن فَلَقٍ
تقلَّص العرمضِ الطامي على النهر
والصبحُ يرفعُ كفاً من لاقطةً
ما للدراري على الآفاق من دُرَرِ
عيشٌ خلعتُ على عمري تنعّمه
ليتَ الليالي لم تخلعه عن عمري
وَلّى وما كنتُ أدري ما حقيقتُه
كأنَّما كان ظلَّ طائر الحَذِر
بالله يا سَمُراتِ الحيِّ هل هَجَعَتْ
في ظلِّ أغصانك الغزْلانُ عن سهري
وهل يراجع وكراً فيك مغتربٌ
عزّتْ جناحيه أشراكٌ من القدر
ففيك قلبي ولو أسطيع من ولَهٍ
طارتْ إليكَ بجسمي لمحةُ البصر
قولي لمنزلةِ الشوق التي نقلتْ
عنها الليالي إلى دار النوى أثري
نِلْتُ المُنَى بابنِ عبادٍ فَقَيّدَنِي
عن البدورِ التي لي فيك بالبدر
حَطّتْ إليه حُداةُ العيسِ أرْحُلنَا
فالعزم صِفْرٌ بمثواه من السفر
كان ابتدائي إليه عاطلاً فغدا
منه بحليِ الأماني حالي الخبرِ
ممَلَّكٌ قصرُ أعمارِ العُداة به
وقعُ السيوف على الهامات والقصر
عدلُ السياسة لا يرضى له سيراً
إلا بما أنزل الرحمن في السور
يُسْدِي بِيُمْناهُ من معروفه مِنناً
تكسو الصنائع صنعانية الحبرِ
لو أضحت الأرضُ يوماً كفَّ سائلهُ
لم تفتقرْ بعد جواه إلى مطر
يأوي إلى عزةٍ قعساءَ مُرغِمةٍ
أنْفَ الزمانِ على ما فيه من أشَر
لا يُفْلتُ الجريُ من أيدي عزائمه
أو يجعل الهامَ أجفان الظبا البُتُر
جارٍ له شأوُ آباءٍ غطارفةٍ
أسْدٍ على الخيل أقمار على السُّرر
لا تَسْتَلِينُ المنايَا عَجْمَ عودِهِمُ
والنبعُ ليس بمنسوبٍ إلى الخور
يقطّبُ الموتُ خوفاً من لقائهم
ويضحكُ الثغرُ منهم عن سنا ثُغَر
يا مرويَ الرمح والأرماح ظامئةٌ
من الأسود الضواري بالدم الهدر
لولا تعشّقكَ الهيجاء ما ركبتْ
بك العزيمةُ فيها صهوة الخطر
إذا التظتْ شعل الأرماح وانغمست
من الدروع على الأرواح في غدرِ
وفي اصطبارك فيها والردى جزع
ما دلّ أنَّك عنها غيرُ مُصْطَبر
ومأزقٍ مَزَّقَتْ بيضُ السيوفِ به
ما لا يُرقّعهُ الآسون بالإبر
من جَحْفَلٍ ضَمِنَ الفتحُ المبينُ له
ذُلَّ الأعادي بعزِّ النصر والظفر
تحدو عَذَابَك فيه للوغَى عَذَبٌ
تهفو كأيدي الثكالى طشنَ من حرر
جاءت صُدور العوالي فيه حاقدةً
يفتر منها دخان النقع عن شرر
فكمْ قلوبٍ لها جاشَتْ مراجِلُها
لمّا تساقط جمرُ الطعنِ في النُّقر
كأنَّما كلّ أرضٍ من نجيعهمُ
رخو الأسنَّة منها ميِّت الشعر
وخائضٍ في عُبابِ الموتِ منصلتٍ
مقارعِ الأسد بين البيضِ والسمرِ
خَلَقْتَ بالضربِ منه في القذالِ فما
أنْطَقْتَ فيه لسان الصارم الذكر
يا معلياً بعلاهُ كل منْخَفِضٍ
ومغنياً بنداه كلّ مفتقر
هل كان جودكَ في الأموال مقتفياً
آثار بأسكَ في أسد الوغى الهُصُر
نادى نداكَ بني الآمالِ فازدحموا
بالواخداتِ على الرّوْحاتِ والبُكَر
كما دعا الروضُ إذ فاحتْ نواسمهُ
روّادَهُ بنسيم النور في السحر
يهدي لك البحرُ مما فيه مُعْظَمَهُ
والبحرُ لا شك فيه معدن الدّرر
إنَّا لنخجل في الانشاد بين يدي
ربِّ القوافي التي حُلّينَ بالفقر
مَنْ ملّك اللهُ حُسنَ القول مقولهُ
فلو رآه ابنُ حُجْرٍ عادَ كالحجر