ما أنسَ لا أنْسَ هنداً آخرَ الحِقَبِ

ما أنسَ لا أنْسَ هنداً آخرَ الحِقَبِ

​ما أنسَ لا أنْسَ هنداً آخرَ الحِقَبِ​ المؤلف ابن الرومي


ما أنسَ لا أنْسَ هنداً آخرَ الحِقَبِ
على اختلافِ صُروفِ الدهر والعُقُبِ
ص
يومَ انتحتْنا بسهميها مُسَالمةً
تأتي جُدَيْدَاتُهَا من أوجه اللعبِ
تُدْوي الرجالَ وتَشفيهم بمُبتسمٍ
كابن الغمامِ وريقٍ كابنة العنبِ
عَيْنَاءُ في وَطَفٍ قَنْوَاءُ في ذَلَفٍ
لفَّاءُ في هيفٍ عجزاءُ في قَببِ
جاءت تَدَافَعُ في وشي لها حَسَنٍ
تدافُعَ الماء في وشيٍ من الحببِ
ليستْ من البحتُرياتِ القصارِ بُنىً
والشَّاربات مع الرُّعيان بالعُلبِ
ولم تلد كوليدِ اللؤم فالِقَةً
عن رَأْس شَرِّ وليدٍ شرَّ ما رَكَبِ
قد قلتُ إذ نحلوهُ الشعرَ حَاشَ لَهُ
إنَّ البُرُوكَ به أولى من الخبِبِ
البُحْتُريُّ ذَنُوبُ الوجهِ نعرفُهُ
وما رأينا ذَنُوبَ الوجه ذا أدبِ
أَنَّى يقولُ من الأقوال أَثْقَبَهَا
من راح يحملُ وجهاً سابغَ الذَنَبِ
أَوْلَى بِمَنْ عظمتْ في الناس لحيتُهُ
من نِحلة الشعر أن يُدْعَى أبا العجبِ
وحسبُه من حِباءِ القوم أن يهبوا
له قفاهُ إذا ما مَرَّ بالعُضَبِ
ما كنت أحسِبُ مكسوّاً كَلحيته
يُعفَى من القَفْدِ أو يُدْعى بلا لقبِ
لهفي على ألفِ مُوسَى في طويلته
إذا ادَّعى أنه من سادة العربِ
أو قال إني قَريعُ الناسِ كلّهِم
في الشعر وهو سقيم الشعر والنسبِ
الحظُّ أعمى ولولا ذاك لم نَرَهُ
للبحتري بلا عقلٍ ولا حسبِ
وَغْدٌ يَعافُ مديحَ الناسِ كلّهم
ويطلبُ الشَّتْمَ منهم جاهدَ الطلبِ
داءٌ من اللْؤمِ يستشفي الهجاءَ لهُ
كذلك الحكُّ يستشفيه ذو الجربِ
أراك لم ترضَ ما أهدَى له نفرٌ
من شتم أُمٍّ لئيم خِيمُها وأبِ
فارضَ الذي أنا مُهديهِ إليه لَهُ
من مُرْمِضِ القَذْع وارضَ الناس للحطَبِ
قُبْحاً لأشياءَ يأتي البحتريُّ بها
من شعره الغَثِّ بعد الكدّ والتعبِ
كأنها حين يُصْغي السامعون لها
ممن يُمَيِّزُ بين النَّبع والغَرَبِ
رُقَى العقاربِ أو هَذْرُ البُناةِ إذا
أضحوا على شَعَفِ الجدران في صخبِ
وقد يُجيءُ بِخَلْطٍ فالنُّحاس لَه
وللأوائلِ صافيه من الذهبِ
سَمِين ما نحلوه من هُنا وهنا
والغَثُّ منه صَرِيحٌ غير مجتلبِ
يُسيءُ عَفًّا فإن أكْدَتْ وسائلُهُ
أجاد لِصاً شديدَ البأس والكَلَبِ
إن الوليدَ لمغوارٌ إذا نَكَلتْ
نفسُ الجبان بعيدُ الهمِّ والسُربِ
عبدٌ يغير على الموتى فيسلبُهُمْ
حُرَّ الكلامِ بجيشٍ غير ذي لجبِ
ما إن تزالُ تراهُ لابساً حُللاً
أسلابَ قومٍ مضوا في سالف الحِقَبِ
شِعْرٌ يُغير عليه باسلاً بطلاً
ويُنشدُ الناسَ إياهُ على رِقَبِ
يقولُ مستمعوهُ الجاهلون به
أحسنتَ يا أشعر الحُضَّار والغَيبِ
حتى إذا كفَّ عن غاراته فَلَهُ
شعرٌ يئنُّ مُقاسيه من الوَصَبِ
شعرٌ كنافض حُمى الخيبريِّ لَهُ
بردٌ وكربٌ فمن يرويه في كُرَبِ
كأنه الغَرِقُ الشَّتْوِيُّ مَصرَدُهُ
بغير روحٍ وما للرُّوحِ والشَّجبِ
قل للعلاء أبي عيسى الذي نَصَلَتْ
به الدواهي نُصولَ الألِّ في رجَبِ
وآمنَ اللَّهُ ليلَ الخائفين بهِ
بَلْهَ النهارَ وضَمَّ الأمر ذا الشعبِ
أيسرِقُ البحتريُّ الناسَ شعرَهُمُ
جهراً وأنت نَكالُ اللص ذي الريب
وتارةً يُترِزُ الأرواحَ مَنْطِقُهُ
بالخَلقِ من بين مقتولٍ ومُغتصبِ
نَكِّلْهُ إن أناساً قبله ركبوا
بدون ما قد أَتاهُ باسق الخَشبِ
والحكُم فيه مُبينٌ غيرُ ملتبسٍ
لو رِيمَ فيه خلافُ الحقِ لم يُصَبِ
إذا أجاد فأوجِبْ قطع مقوله
فقد دهى شعراء الناس بالحَرَبِ
وإن أساء فأوجبْ قتلَهُ قَوَداً
بمن يُميتُ إذا أبقى على السلبِ
سلِّطْ عليه عُبيد اللَّه إنَّ لَهُ
سيفين ذو خُطَب تَتْرى وذو شطبن ما زال قِدماً وآباءٌ له سلفوا
أُسداً بها غَلَبٌ معتادةُ الغلَبِ
كم فيهمُ من مُقيمٍ كلَّ ذي حَدَبٍ
من الأمور على الإسلام ذي حدَبِ
قوم يَحلُّون من مجد ومن شرف
ومن عُلوٍ محل البَيْض واليَلَبِ
حَلُّوا محلَّهما من كلِّ جُمجمةٍ
دفعاً ونفعاً وإيفاءً على الرُّتَبِ
وما يكن من حديثٍ صالحٍ لهُمُ
فصادرٌ عن قديمٍ غيرِ مُؤتَشبِ
لهْفي لهزّ عبيد اللَّه حربتَهُ
لثُغرةِ الثَّورِ ذي القرنين والغَبَبِ
وقد رماه بشُؤبوبٍ فأحْصَنَهُ
جَدٌّ وأَنجاه شؤبوبٌ من الهربِ
يا أيها السائلي عما أحلَّ به
مكروهَ بأسي لقد نقَّرت عن سببِ
عمىً من الجهل أدَّاهُ إلى عَطَبٍ
وغيرُ بدْعٍ عمىً أدى إلى عَطَبِ
يرى المَوارِطَ ذو عينٍ فيحذَرُها
والعُميُ فيها إلى الأذقان والرُّكبِ
يعيب شعري وما زلت بصيرتُه
عمياءَ عن كلِّ نورٍ ساطعِ اللّهبِ
يا عاهرَ الزوجة المخلوف في حِرها
خِلافَةَ السوء والمخلوفَ بالغَيبِ
فمٌ كمسفىً ومفسىً واسعٌ كفمٍ
ومنخرانِ قد اسودَّا من الذَّبَبِ
أقولإذ قال نكنيكي أحاجزَهُ
منْ نيكَويحكَلم يُكرمْ ولم يهبِ
فقالكم من منيكاً قد بصُرتُ بهِ
مُحيٍ مميتٍ مرجَّى الغوث مُرتَقَب
هذا السِّنانُ مِنيكاً في استه أبداًوكم نقيذٍ
بهاديهِ ومُنشعب
لا شيء أَهْيَبُ من زُرقٍ مُؤلّلةٍ
وهُنَّ يُنكحنَ بالأرماح في الجُنُبِ
زُرقٌ يُنكنَ بسُمرٍ ذُبّلٍ أبداً
وكلهنَّ بريئاتٌ من السُّيَبِ
فقلتُ لا زلتَ من غَيِّ على سنينٍ
يُلقيك فيه ومن رُشدٍ على نَكَبِ
فلستَ تنفكُّ محتجاً لفاحشةٍ
شنعاءَ تركبُ منها شرَّ مرتَكبِ
أغرى الوليدَ بكيجي أنهُ رجلٌ
يُريغ ايري فيه من أرَبِ
وسائل لي عن الأمرِ المجشَّمةِ
حَرْبي فقلتُ أتاك الصدقُ من كَثَبِ
بُرهانُ ذلك أَنْ لا شحمَ يعجُبُهُ
وأن شهوتَهُ وَقْفٌ على العَصَبِ
ما أسمجَ ابنَ عُبيدِ حين تفجؤهُ
والرِّدفُ في صعدٍ والرأسُ في صَبَبِ
مُجبِّياً لِغَويٍّ قد تجلَّلَهُ
والعرْدُ من ثَفَرٍ منهُ إلى لَببِ
وقد تعفَّرتِ الشمطاءُ فاكتسبتْ
لونين من غُبرةٍ فيها ومن شَهَبِ
والفحلُ يطعَنُ فيهِ غيرَ مُحتشمٍ
ولا مُجِلٍّ مكانَ الشعرِ والخطَبِ
بلى لَهُ حَبْضةٌ من خوفِ سلحتهِ
كحبضةِ الصَّقر يخشى سلحةَ الخَرَبِ
يا قاتل اللهُ نِسواناً لًهُ مُجُناً
يعدونَ في السبت عدو الناشطِ الشَّبَبِ
إذا خلونَ بمنْ يهوَينَ خَلْوتَهُ
بذلنَ في ذاك ما أثَّلنَ من نَشَبِ
وما يزال طَوالَ الدهرِ مُنتخِباً
من كلِّ أمرين أمراً غيرَ مُنتخب
إني لأعجبُ من قومٍ تروقُهُمُ
ولو نطقَت شفاءَ اللَّوحِ والسَّغبِ
يا بُحتريُّ لقد أقبلتَ مُنقلباً
يوم اكتسبتَ هجائي شرَّ منقلَبِ
أقسمت بالمانِحِي وجهاً أضَنُّ به
عن السؤال وعِرضاً غيرَ مُنتهَبِ
ونُهيةً عصمتْني أن أُرى حَمِقاً
من باعةِ الرَّوحةِ الروحاءِ بالنصب
مامُشْتهٍ قُربَك المكروهَ ذا رَشَدٍ
يا قِرْبةَ النفطِ لا قُدِّستَ في القِربِ
وأيُّ نفطٍ كرشْح أنت راشحُهُ
سوادَ لونٍ ونَتْناً غيرَ مكتَسبِ
كم قائلٍ لك إذ مَسّتك قارعتي
دعِ السكونَ فهذا حِينُ مضطرَبِ
أصبحتَ تُدعى شقي الأشقياءِ لها
وأصبحتْ بك تُدعى ذِربةَ الذِّرَبِ
أبا عُبادةَ ذَرْ ما كنتَ تَنْسُجُهُ
وخذ لنفسك يامسكينُ في النَّدَبِ
قد كنتَ تعرفُ مني في الرضا رجلاً
حلو المذاقةِ فاعرفني لدى الغَضبِ
تَعرِفْ فتى فيه طوراً مُجتنَى سَلَعٍ
للمُجتنينَ وطوراً مُجتنى رُطَبِ