مجلة الرسالة/العدد 173/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 173/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 10 - 1936



صدى أحلامي

للآنسة الشاعرة جميلة العلايلي

بقلم الأديب محمود البدوي

ديوان صغير الحجم أنيق الشكل جيد الشعر عذبه، فيه روح الفنانة الملهمة والشاعرة المطبوعة على قول الشعر دون تكلف ولا صنعة ولا محاكاة. . ولا يعييه كثرة ما فيه من نواح وشكوى وأنين فهذا كله لا بأس به إذا جاء من المرأة، ومن فتاة كجميلة العلايلي فنانة بطبعها تعشق الحرية وتتعلق بالمثل العليا - التي لا تتحقق - وتحس بثقل البيئة الخانقة التي تكتم أنفاسها وتهيض جناحيها وتبدد أحلامها الذهبية وتذيب في صدرها أمانيها العذاب. . وفي الديوان قطع شعرية جزلة تحسد عليها، وقصيدة تديرها الشاعرة دوران القصة القصيرة، وهذا توجيه منها حسن ومقبول يحبب الشعر إلى نفوس القراء الذين انصرفوا عنه - مع الأسف - إلى القصة!

والقارئ لهذا الديوان سيشعر بعواطف المرأة الخالصة الصادقة الصريحة، وهذا ما نطلبه من كل فتاة تحاول المحاولات الأدبية مثلها وتجاري الرجل في الفن. . فليست البراعة في تقليد الرجل في عواطفه ومشاعره وتفكيره وحبه، وإنما البراعة في أن تبرز خصائص المرأة وتبدو أنوثتها قوية من خلال السطور؛ والدنيا بأسرها تصفق اليوم (لفيكي باوم) لأنها تمتاز بالحنان. . الحنان الذي لا يعرفه الرجل. والذي يقرأ لكثير من فتياتنا المتأدبات يرى أن أقلام الرجال تجول في أعمالهن الأدبية وتصول، وهذا عيب فاضح تضيع معه شخصية المرأة، ولكن المرأة عندنا تحس بضعفها وعجزها وتستسلم للرجل حتى وإن ضيع شخصيتها وهي أسمى ما يمكن أن تعتز به.

والدراسة القوية المتواصلة لبعض شعراء العرب العباسيين كالبحتري وابن الرومي والنواسي، ولطائفة من شعراء الإنجليز الخالدين كشيلي وبيرون وهاردي ووردثورث - وهذا عاشق للطبيعة كجميلة - سيصقل فنها وأسلوبها، ويكسب شعرها الرنين الموسيقي الذي لا حياة للشعر بدونه، ويوجهها التوجيه الذي نرجوه لها، ويدفعها على توالي السنين إلى القمة.

هذا ونحب أن تسقط الشاعرة من ديوانها - في طبعته الثانية - القصيدتين اللتين سمتهما الشعر المنثور فما نعرف لهذا الشعر الغث المرذول لوناً ولا طعماً حتى ولو كان قائله ابن الرومي.

الواقع أن ديوان (صدى أحلامي) هو خير الجهود الأدبية الموفقة التي بذلتها فتاة في السنين الأخيرة وصاحبته تستحق عليه التهنئة القلبية الخالصة. . . من بنات جنسها!!.

الحياة الجديدة

تأليف الأستاذ نقولا يوسف

للآنسة أمينة شاكر فهمي

لقد دفعني مقال الأستاذ دريني خشبة المنشور (بالرسالة) عن كتاب (الحياة الجديدة) للأستاذ نقولا يوسف إلى مطالعة الكتاب ودرسه درساً دقيقاً، فدهشت جداً لما ذكر الأستاذ من محاسن الموضوعات وما أنكر عليه من طوبيات وتوحيد وعالمية، دون أن يذكر شيئاً عما حاول المؤلف إثباته بقوة وبلاغة عن عدم صلاحية اللغة العربية للتمشي وأدب القرن العشرين.

يخيل إلي أن الأستاذ دريني خشبة مرّ سهواً بقول المؤلف الفاضل في موضوعه (الأدب الجديد) صفحة 91: (لم نعد اليوم في عصر الفراغ والعبث بالوقت نقتله فيخرج لنا الكتاب دواوين مطولة في السجع والتورية والكنايات والمجازات والاستعارات مما اكتظ به الأدب التقليدي الجامد القديم). فلا يسعني إلا أن أنكر على المؤلف انتقاده المر للغتنا العربية وما بها من مجازات واستعارات وهي أجمل ما في لغتنا وأرقها.

فهلا قرأت أجمل من فن العرب في قول أحدهم:

ولما برزنا لتوديعهم ... بكوا لؤلؤاً وبكينا عقيقا

أداروا علينا كؤوس الفراق ... وهيهات من سكرها أن نفيقا

تولوا فاتبعتهم أدمعي ... فصاحوا الغريق وصحت الحريقا

أو قول بعضهم: سألتها عن فؤادي أين موضعه ... فإنه ضل عني عند مسراها

قالت لدينا قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني؟ قلت أشقاها

لقد قرأت الكثير من دواوين الشعر الإنجليزي والفرنسي فلم أجد أجمل ولا أدق تعبيراً من الشعر العربي القديم الذي تقول عنه يا سيدي في كتابكم صفحة 193: (إنه يشبه القبر المزين بالنقوش وفي جوفه الرمم)

إن التجديد يا سيدي الأستاذ لا يكون في تغيير اللغة وتشويهها، بل في تغيير الأفكار والنزعات والأخلاق. إنه ليؤلمني جداً أن أقرأ لأحد كتابنا النابغين المجدين العصريين قوله: (إن الأدب العربي القديم محتاج إلى زركشة اللفظ وزخرف الكنايات ليسترا عيبه وقبحه)، فهل تعد جمال اللفظ والمعنى زخرفاً؟ وطرافة التورية وبساطتها زركشة؟

فما قولك في قول ابن الفارض:

شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم

لها كالبدر كأس وهي شمس يديرها ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما قولك في الأدب العصري الحديث، كقول الأستاذ عبد الرحمن شكري في قصيدته (البحر):

ألا ليتني لج كلجك زاخر ... أعب كما تهوى النهى والبصائر

خيرك يحكي صدحة الدهر صامتاً ... كأنك دهر بالحوادث مائر

وقوله:

فلعل الحياة كالماء تجري ... بين هذا الثرى وبين السماء

وقول الأستاذ محمود محمد شاكر في قصيدته (حيرة):

أتنهاني عن الجزع الليالي ... وما تنفك تتركني مصابا؟!

فتسلبني الأحبة عن عيان ... وتمنحني بذكرهم عذابا

لذا تجد يا سيدي أن اللغة العربية ليست بقاصرة عن التعبير ووصف حياتنا العصرية. إنني يا أستاذي لست ممن يدين بالرجعية والتمسك بالقديم ولكني في كل ما قرأت من لغات أجنبية لم أجد أجمل ولا أقوى من لغتنا العربية القديمة. وأراك يا سيدي تعيب على العرب وضعهم مائة اسم للأسد ومائتين للجمل كأن لم يكتب العرب شيئاً إلا أسماء الأسد والجمل.

لقد دهشت لقولك في (الحياة الجديدة) صفحة 135: (ولسنا نجهل مركز الأدب العربي بين تلك الآداب وهو الأدب الذي تتخذه مصر لها أدباً قومياً حتى اليوم، وهو لا يمت إلينا بصلة ولا بنسب، فنحن لا نتحادث في حياتنا اليومية بلغته الفصحى. .) إنني والحق يا سيدي عاجزة عن الرد على هذا القول، وإنني أترك الرد لأدبائنا الأفاضل. فهل نفهم من ذلك أن اللغة العربية الفصحى ليست بلغتنا وأننا يجب أن نتكلم بلغة أخرى؟ وأي لغة يا ترى تشير بها علينا: الهيروغليفية أم الإنكليزية أم العربية العامية؟ عفواً يا سيدي ومعذرة، فإنني لا أقصد التهكم أو الانتقاد، ولكن آلمني جداً احتقاركم للغتنا العربية بكل ما فيها من جمال وقوة. وبالرغم من كل هذا فإنه لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي الوافر بكل ما حوى الكتاب من بحوث علمية وعالمية، ودفاعكم الحار عن الفلاح المصري، وقولكم: (إذا أنصفنا أخانا الفلاح فإنما ننصف البلاد المصرية كلها) وكم كنت أود لو أذكر كل فصل على حدة لما جمع كل منها من أبحاث قيمة ودرس عميق وتحليل سيكولوجي دقيق وإحصائية مدهشة عن تاريخ تقدم العلم في سبيل الوقاية من الأوبئة الفتاكة التي اجتاحت في القرن الماضي عدداً عظيماً من سكان العالم. أما بحث (عدة النجاح في العصر الجديد) فهو فصل ممتع وأبحاث قيمة دقيقة عن تاريخ أجناس الشعوب المختلفة وتطور الأديان والعلوم والفنون ونشأتها في كل الأمم، ويختم مقاله بقوله: (كذا الفن كالعلم والأدب لا وطن له ولا لغة لأنه ينبثق من النفس البشرية ويعود إليها).

وهو - على طول الخط - يدل على ثقافة والمؤلف الواسعة ودرسه التحليلي العميق. ولقد أعجبت جداً بفصول المؤلف الخيالية، وخصوصاً فصل (مصر بعد خمسة قرون) إذ جمع بين الخيال الواسع والحقيقة والنبوءة. كما أبدع في التحدث عن فلسفة الجمال والحياة في فصل (فن الحياة) و (البشرية). أما تأملاتكم يا سيدي (على شاطئ البحر) فهي من أجمل وأرق ما قرأت في الخيال، وأخص بالذكر منها قولكم (وما تلك الفترات التي يسعد فيها بنو البشر إلا لحظات مختلسة في غفلة الزمن لا بد أن ندفع لها ثمناً غالياً).

أما فصول الساعات مع نوابغ الأدب الشعري والفلسفي والعلمي مثل تاجور وشللي وملتون وويلز وغيرهم فهي مجموعة ثمينة جداً عن تاريخهم وكتاباتهم وفلسفاتهم. ولكن فات حضرة الأستاذ أن يذكرنا بساعة مع شوقي أو حافظ إبراهيم.

وأخيراً أضم صوتي إلى حضرة الأستاذ د. خ. وأقول إن بحوث (الحياة الجديدة) دسمة غزيرة الفكر. فهي مجموعة ثمينة جامعة بين جمال الخيال ودرس التاريخ وتحليل للعصر الجديد دقيق، وتراجم متقنة للأدب القدم والحديث، وهو حقيقة يكاد لا يكون له نظير في مكتباتنا العربية.

أمينة