مجلة الرسالة/العدد 18/البطل في صورة ملك

مجلة الرسالة/العدد 18/البطل في صورة ملك

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 10 - 1933



للمهندس الشاعر على محمود طه

تألق كالبرقة الخاطفة ... وجلجل كالرعدة القاصفة

مبين من الحق في صوته ... صدى البطش والرحمة الهاتفة

يخوض الغمار دماً أو لظى ... ويركب للمأرب العاصفة

يطير على صهوات السحاب ... ويمشى على اللجنة الراجفة

ويقتحم الموت في مأزق ... ترى الأرض من هوله واجفة

تمزق في جانبيه الرياح ... وتنفطر السحب الواكفة

وتشتجر الرجم الهاويات ... وتعتنق الظلم الزاحفة

عشية لا القلب طوع النهى ... ولا العقل تأسره العاطفة

ولكنها وثبات الجريء ... على عثرات المنى الخائفة

شعوب تعالج أصفادها ... وتأبى الحياة بها راسفة

صحت بعد إغفاءة الحالمين ... على لجة الزمن الجارفة

وحسبك بالدهر من منذر ... كرب يعاقب من خالفه

رأيت السفينة في بحره ... تنازعها اللجج القاذفة

مددت يديك فأرسلتها ... أماناً من الغمرة الخائفة

وخلفك من (يعرب) أمةٌ ... إلى النور فازعةٌ شاعفة

نضَت (فيصلاً) من صقال السيوف ... يُقبِّل فيه الضحى شارفة

أعدت لها مجدها المجتبى ... وبواتها الذروة الشائفة

بناء من السؤدد العربي ... دعمت بتالده طارفه

جلت فيه (بغداد) عهد الرشيد ... وأحيت لياليها السالفة

وارسلتها بعد نسيانها ... حديث النباهة والعارفة

فوا أسفا كيف روعتها ... بفقدك في الليلة السادفه

صحت (برن) منك على نبأة ... تسيل البروق بها راعفه

رمى الغرب بالشرق إيماضها ... فرد الشموس به كاسفه أناخ على سروات العراق ... فقصف أفنانها الوارفه

طوى فجرها بسمات المنى ... واسكت أوتارها العازفه

ومصطبحين هوت كأسهم ... حطاماً على الشفة الراشفه

أفاقوا على حلم رائع ... كأن بهم فزع الآزفه

يردون بالشك صوت اليقين ... وتصدقه الأعين الذارفه

وأني لأسمع ما يسمعون ... صدى الويل في صخب العاصفه

وكيف؟ وقد كنت نجم الرجاء ... إذا قيل ليس لها كاشفه

وما عرفوا عنك نقص التمام ... بيع الصحيحة بالزائفه

تحفك ابهة المالكين ... ونفسك عن زهوها صادفة

سرت بالوداعة في بأسها ... سرى النسيم في الليلة الصائفه

وتحمل عنهم من العبءِ ما ... تخر الجبال له خاسفه

وتهزأ من صرعات الردى ... وتمسى على أمرهم عاكفه

إلى أن طوتها وأودت بها ... غوائل تطوى الدجى خاطفه

فراحت ترف على كفها ... رفيف الندى في اليد القاطفه

وما هي ألا دموع الأسى ... همت من جراحاتها النازفه

وما نسيت (دجلةٌ) إنها ... بشطيه حائمة طائفه

تباركهم من سماء الخلود ... وتدعو (لغازيهم) هاتفه.