مجلة الرسالة/العدد 181/مشرقيات

مجلة الرسالة/العدد 181/مشرقيات

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 12 - 1936



في الأدب العربي الحديث

للأستاذ أغناطيوس كراتشقويفسكي

الأستاذ بجامعة ليننجراد

بقية ما نشر في الأعداد السابقة

إن مسألة لغة الحوار في التأليف المسرحي قد تبدو ذات أهمية أكثر منها في عالم القصة. ويستدل من الاتجاه السائد أن اللغة العربية الفصحى احتفظت حتى الآن بقواعدها، لكن هناك محاولات جديرة بالاهتمام، مشبعة بروح متناقضة. ولنذكر منها محاولات جلال وتيمور. وكثيراً ما ظهرت مؤلفات نظرية تشير إلى ضرورة انتهاج تقاليد أدبية ثابتة. بل إنه قام جدال قلمي حاد في سوريا، عند ظهور مؤلفات مارون غصن، (المولود في سنة 1881)، فالموضوع يثير اهتمام الباحث المدقق، لكن حله ليس من السهولة بمكان

ومما تجدر ملاحظته أن القصصي محمود تيمور، الذي كان يكثر من استعمال العامية في الطبعات الأولى من مؤلفاته، عاد يكتب بعدئذ بلغة هي أقرب إلى الفصحى، وذلك على الرغم من أنه - نظرياً - ينبأ بمستقبل العامية المصرية ويدافع عنها

وفي مؤلفات توفيق الحكيم المسرحية، نراه يجمع بمهارة بين اللهجة العامية في الحوار وبين اللغة الفصحى عندما يدون ملاحظاته أو وصفه. وقد دلت التجارب العملية على أن هذا الحل هو خير الحلول الوسطى في الوقت الحاضر

ء - أنواع أخرى

إن تاريخ تقدم الأدب العربي الجديد محاط ببعض الظروف الخاصة التي تضطرنا إلى الولوج في بعض أنواع قد تترك جانباً إذا أثير البحث حول ما اتفق على تسميته (الأدب). مثال ذلك الصحافة، فقد لعبت بأسرها دوراً من المرتبة الأولى في الأهمية، إذ كانت مدرسة لا للقراء فحسب، بل وللكتاب أنفسهم، فكان ما ينشره الكتاب من المقالات في الصحف يساعدهم على تحسين أسلوبهم شيئاً فشيئاً، وذلك يؤثر في كتابتهم عندما يتناولون الأنواع الأخرى وأشد هذه الأنواع تأثراً: النثر الخطابي (السياسي وغيره) وهكذا نشأت أبحاث في النقد وتاريخ الأدب، ورسائل أدبية مختلفة، تذوقها الجمهور، إذ وصلت في أسلوبها إلى مرتبة الشعر المنثور. وسار هذا الأسلوب الخاص بالصحف والمجلات والرسائل سريعاً في طريق التقدم. نعم، إن القرن التاسع عشر لم ينتج شيئاً جديراً بالاهتمام، لكننا لا نستطيع أن ننكر أثر البستاني ونشراته الدورية العديدة. وقد تخرج في تلك المدرسة عدد كبير من الصحفيين أمثال أديب اسحق، الخطيب الملتهب حماسة، ونجيب حداد الذي اتجهت ميوله إلى الجدل الفلسفي

وكان للهجرة إلى أوربا بعض الشيء من الأهمية، إذ أنجبت شخصيات فذة عديدة، مثل الشدياق وخصمه رزق الله حسون المتوفى في سنة 1880، ورشيد الدحداح الذي امتاز بما نشره من المؤلفات القديمة (1813 - 1889). وفي خلال المدة من سنة 1880 إلى 1890 اجتازت مصر نقطة من أدق النقط في تاريخها. فعلى أثر نشوب الثورة العرابية بدت في الأفق شخصية عبد الله نديم (1844 - 1896) الذي أخذ يعالج في صحف عدة المسائل الاجتماعية والسياسية بأسلوب لاذع وفي لغة الكلام العادية. ومثله يعقوب صنوع (1839 - 1912) المعروف باسم الشيخ أبو نضارة والذي أقام فترة طويلة في فرنسا. أما عبد الرحمن الكواكبي (1849 - 1903) فكان في شبه عزلة عن كتاب عصره. كان الكواكبي رحالة ثائراً، يحلم بالجامعة الإسلامية، وقد أنشأ في كتابه (أم القرى) فكرة خيالية رائعة عن مؤتمر الاتحاد الإسلامي بمكة المكرمة

في خلال تلك المدة، أخذت مدرسة الشيخ محمد عبده تنمو وتقوى. ومن الذين تخرجوا في تلك المدرسة سعد زغلول (1859 - 1927) أشهر خطيب سياسي في مصر الحديثة، فلم يكن له نظير في مستهل القرن العشرين سوى مصطفى كامل (1874 - 1908) مؤسس الحزب الوطني. أما الذين خلفوا الشيخ عبده مباشرة، فقد وقفت جهودهم عند أبحاث إسلامية بحتة في التفسير وفي الدفاع عن الإسلام، ولم تحدث أي أثر واقع في الحركة الأدبية. وهذه الملاحظة تنطبق على أمثال محمد رشيد رضا، وهو أدقهم محافظة وأشهرهم. ومحمد فريد وجدي (المولود في سنة 1875)، وهو أكثرهم تشبعاً بالروح العصرية

وفاقت شهرة علي يوسف (1863 - 1913) - منشئ (المؤيد) - في عالم الصحافة شهرته في أي ميدان آخر. ولا يزال الأمير الدرزي شكيب أرسلان نزيل أوربا منذ سنوات، يشغل المقام الأول. واستأنفت المدرسة الصحفية السورية تقاليدها في مصر، بفضل يعقوب صروف (1852 - 1925) صاحب المقتطف، وسليمان البستاني (1856 - 1925) الرحالة النابه، ومترجم الإلياذة، وقد كتب عن تركيا مؤلفاً جاء فيه بأحسن الأوصاف عن حالة العرب الاجتماعية قبل الحرب العظمى. وللأسلوب العلمي الفلسفي الذي امتاز به البستاني نقيضه فيما كتبه ولي الدين يكن (1873 - 1921) من مقالات ورسائل، وقصائد

كان ولي الدين من أشد أنصار التقرب من الأتراك والعرب، فراح يصنف بعبارات تلتهب حمية وحماسة، وفي صور مؤثرة أيام أسره في إستامبول في عهد السلطان عبد الحميد، وما شاهده من المفارقات الاجتماعية في تركيا

وامتاز مصطفى لطفي المنفلوطي - وهو أصغر تلاميذ الشيخ عبده سناً - بما بذله من الجهود الموفقة لابتكار أسلوب جديد شائق، ويمكننا أن نقول إنه نجح نجاحاً كبيراً عن جدارة واستحقاق. أما البحث فيما إذا كانت المؤلفات العديدة التي نقلها بتصرف عن أصلها الأوربي قد أفادت القراء من حيث فهمها على حقيقتها، فهذا موضوع بحث آخر

وأظهرت المدرسة السورية ميلاً خاصاً إلى الرسائل والشعر المنثور. ويعتبر أمين الريحاني مبتكر هذين النوعين، وهو كاتب معروف، حائز حسن التقدير. وكان أول من رفع فن الرسائل والشعر المنثور إلى المكانة الأولى وضمن لهما شهرة ذائعة، وقد ظل مخلصاً لفنه، كما هو واضح في مؤلفاته الأخيرة. ومثله جبران خليل جبران، فانه تفرغ إلى هذين النوعين، بل إن جل مؤلفاته دواوين من الشعر المنثور أو رسائل تحوم حول نظرية خاصة أو فكرة مركزية. ثم سارت المدرسة السورية المتأمركة في طريق التنويع (مثال ذلك: ميخائيل نعيمة) لكن الأفضلية ظلت للرسائل والشعر المنثور. وهذه الرسائل، مع اختلاف مضمونها، تعد أهم مميزات المدرسة الحديثة، وإن كانت في مصر توجه عناية واهتماماً خاصاً إلى مسائل تاريخ الأدب، والفلسفة، والاجتماع

ومن الأمور الغريبة الجديرة بالملاحظة أن كتب رواد هذه المدرسة (كمنصور فهمي والعقاد وهيكل والمازني وسلامة موسى) إن هي إلا مقالات سبق أن نشرت على صفحات المجلات والصحف اليومية، وهو دليل على حيوية هذا النوع، بل برهان ساطع على الأثر القوي الذي تركته الصحافة الدورية بالنسبة لتقدم الأدب

ترجمة محمد أمين حسونه