مجلة الرسالة/العدد 192/حديث الأزهار
مجلة الرسالة/العدد 192/حديث الأزهار
للكاتب الفرنسي ألفونس كار
- 3 -
زهرة التذكار
وسقطت زهرة من طرتها، فانحنى ليرفعها عن الأرض. استوقفته بنغمة من صوتها الشجي قائلة: - دعها، دع الزهرة التي صدمها الهواء، وخذ هذه، بدلاً عنها.
أخرجتني من بين نهديها وأهدتني لحبيبها.
سمعته ينشد وهو يضمني إلى صدره: أيتها الزهرة المحبوبة
ابقي معي إلى الأبد، أنت زهرة التذكار.
وذهب بي إلى غرفته المنفردة، حيث بللت فمي بكأس البلور.
كان ينظر إلي، فيراها. ويهمس في وريقاتي قائلاً: -
يا زهرة محبوبتي، ما أقوى عبيرك وما أشد فعله في قلبي!
لقد لمستك بيدها وتركت أنفساها تهب على وريقاتك، لو فقدتك بين آلاف الأزهار لما ضل عنك تذكاري.
شربت كثيراً من الكأس البلورية فلم أرتو، ذبلت ككل شيء ينفصل عن أصله، علا الاصفرار تويجي فانحنيت على نفسي، رأيته يتقدم إلي والدمعة في عينيه، يحدجني بنظراته الرائعة، ثم قال: - ما أوجع احتضارك على مشهد مني يا زهرة التذكار! سيسطو عليك ملك الموت ولكنه لن يدنو من روحك الخالدة روح التذكار الدائم. تعالي لأدفنك في القبر المقدس حيث دفنت آمالي فيضمك وحياتي كفن واحد.
أخذني إلى خزانته وألقاني بهدوء بين أكفان الطروس، بين رسائل من يهوى.
وكان مقري بين النار الكامنة في الكلمات، والكلمات صامتة في الحروف السوداء
لقد زارني مراراً في قبري، فكنت عاكساً أميناً لخياله، تنطبع نضارة تذكراه على اصفرار وريقاتي، ويهب عبير غرامه من جفاف عروقي، فيراني صبية رائعة الشباب تنفخ الفتوة في كهولة قلبه.
وما عدت أراه إلا من حين إلى حين.
ومنذ أيام أخذ كفني دون أن يلقي علي كلماته نظرة واحدة ودفع به إلى اللهيب. ثم لحت لعينيه جافة صفراء فحدجني ملياً كأنه يفتش على ذكر لا يهتدي إليه.
أمسكني بأطراف أنامله وتقدم ببطء إلى النافذة.
شعرت بمصادمة الهواء لوريقاتي النحيلة فارتجفت.
أنكر جميلي وأي إنسان ليس جاحداً؟
أنا الزهرة المأخوذة من بين نهديكن، أنا زهرة التذكار؛ لفح الهواء وريقاتي الجافة فتبددت في الفضاء.
(ف. ف.)