مجلة الرسالة/العدد 216/اتجاهات الأدب العالمي في العصر الحاضر وكيف

مجلة الرسالة/العدد 216/اتجاهات الأدب العالمي في العصر الحاضر وكيف

مجلة الرسالة - العدد 216
اتجاهات الأدب العالمي في العصر الحاضر وكيف
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 08 - 1937


يتجه أدبنا

للأستاذ خليل هنداوي

تتمة ما نشر في العدد الماضي

والآن أراني أجملت إبراز الاتجاهات الاجتماعية والعوامل التي تؤثر في الآداب الحاضرة فأين نجد في أدبنا في غابره وحاضره وكيف يتجه؟

كنت أود أن يتسع لي المجال أو أن يرجأ البحث عن اتجاهات أدبنا في الغابر إلى فرصة ثانية، لأن التكلم عن اتجاهات أدب مهما كانت قيمته ليس بالشيء الذي يغني فيه الإلمام، ولكني ناظر إلى ناحية من نواحيه الاجتماعية القومية، وغير خائض في خصائصه الأدبية.

إن أدبنا أيها السادة كان كثير الخصب والإنتاج؛ وتبارك الله ما كان أخصبه! ولكن خصبه في الموضوعات التي نثب إليها اليوم كان خفيفاً جداً. خذوا الشعر مثلاً، والشعر أبرز ما راج في أدبنا، فهو شعر لا أجده قد صفا كثيراً لنفسه ولا لمجتمعه. نما بعضه في جو أرستقراطي لا يتصل بسواد الشعب، نما في ظلال الطبقة المترفة؛ وإذا غادر هذا الجو غادره إلى جو كان يرائي الأديب فيه ويداجي. أما المجتمع فلم يقم له أدب خاص يعبر عنه. وإذا أفاد بلاط الملوك والأمراء في نمو بعض الأدب الذي كانت تستحثه الدعايات والعصبيات فقد قتل ذلك الأدب الذي كان يجب أن ينطلق عن الحياة. وهذا المتنبي على جلاله وهو الذي يعد أحد الشعراء مزاجاً وأكثرهم اندفاعاً لم يخلص من أدب الرياء. وهذا المعري الذي يطفح شعره ببعض نظرات متألمة لا نجد أن تألمه كان نتيجة اختلاطه بالمجتمع، ولكنه كان وليد تشاؤم صرف اختص به مزاجه. ويمكنني القول إن كثيراً من أدبنا خلقته أزمات سياسية وعصبية ليكون ضرباً من ضروب الدعاية. ولكنه كان مجرد دعاية تؤرث نار العداوة، وتعبر عن نوازي العصبية في الأحزاب والقبائل وتحيي الضغائن في الأمة الواحدة. على أن أزمة الشعوبية التي احتدمت نارها بين الأعارب والأعاجم كان بها أن تخلق نوعاً قوياً من أدب الدعاية القومية ولكن الأدب لبث يمالئ الأوساط المترفة، ينظم لها الشعر مسبحاً بحمدها، أو مسلياً لها من مللها وسأمها.

أما أدبنا الحاضر فلا يمكننا الركون إليه، لأنه أدب مضطرب يمثل اضطراب هذه الثقافة المكتسبة التي لم نتم هضمها ولم تتمركز فينا! أدبنا الحاضر لم يتحرر من قيود القديم سالكاً طريقته الخاصة دون تردد. وأديبنا لم يؤمن بأن في الحياة التي تتكرر فصولها كل يوم أمام عينيه أدباً غنياً يغذي فكره؛ وأديبنا لا يزال يعتقد بأن النزول إلى الحياة يضعف من قيمة أدبه. وبهذا يكتب الأدب فيه كل الألوان إلا لون الأدب، وفيه أثر كل بيئة إلا بيئته التي هو فيها. على أن الأديب الحقيقي حين يبث نفحة أرضه يحملها لتعانق نفحات الأرض كلها، وحين ينشر نسمة لشعبه ينشرها ليضمها إلى نسمات الشعوب!

لا أود أن أحدثكم من أدبنا الحاضر عن آفاقه الإنسانية التي يسمو إليها، ولا عوالمه الرحبة التي تتعانق فيها الإنسانية، ولا ذلك الجمال الذي يكسو الآثار الكونية به، وإنما أحدثكم عن اتجاهات أدبنا من الناحية التي هي أصدق انطباقاً على حياتنا الحاضرة، وهذه الحياة الحاضرة مؤثرة في أدبنا مهما فر منها، وفي أديبنا مهما تجافى عنها! لأن الأديب ليس كالعالم الذي يقدر أن يحيا في بيئة وكأنه ليس منها!

لو أراد واحد في الأجيال الآتية أن يستقرئ نفوسنا وحالنا لرأيته لا يستطيع، لأننا لا نمثل في أدبنا عواطفنا ولا نصبغه بألواننا. إنا نكتب أدباً لا يمثل آلام حياتنا الاجتماعية والنفسية التي نعانيها. ألم تمر بنا أزمات مختلفة وظروف مروعة؟ فأين الأدب الذي ولدته هذه الأزمات؟ وأين قصة كقصة البؤساء تمثل البؤس الذي برح بنا في عهد الحرب؟ وأين القصة التي تمثل حيرتنا وألمنا؟ وأين مسرحية كمسرحية (غليوم تل) تصور أبطالنا وشهداءنا؟ وهذا شوقي الذي خلف لنا تراثاً من سر حياته الشعرية لم يجد في هذه الأزمات ما أوحى إليه مسرحية يصور بها مشهداً من هذه المشاهد التي قد يكون فيها ما هو أشد وأقوى على خلق التأثير من الموضوعات المطوية التي عالجها في مسرحياته. وأخيراً أين ذلك الأديب الذي يترجم عن عصره؟

على أن البعض يقول: وما عسى يغني الأدب الذي يأتي بالتلقين لا بالالهام؟ وكيف يملك حريته في التعبير، وإنما الأدب بحريته؟

أجيب هذا البعض بأني لا أدعو أدبنا إلى أن يتقيد، وما كنت يوماً لأدعو إلى أن أخلق للأدب أجواء محدودة يخوض فيها. وكيف أدعو إلى تحديد اتجاهات الأدب والتحديد معناه وقف روحه وحريته التي لا يحيا إلا بها؟ كيف أدعو إلى حبسه ضمن تقاليد جديدة؟ ولكأني بذلك أهدم تقاليد وأرفع تقاليد وفي هذه وتلك عبودية، وفي العمل نفسه عبودية أدهى!

أجل! لا أريد أن يكون الأدب كله اجتماعياً، أو ذاتياً، أو إنسانياً أو قومياً! وإنما أنشد أدباً حراً يستوحي إبداعه من قلب الحياة، لا يكونه من الحياة على هامشها، وإنما على متنها. ولا يمر هو بجانب ويترك الحياة بجانب آخر. وإنما همه أن يرافق الحياة في مراحلها، ويعمل على تفوقها وتساميها. همه أن يوجه الحياة كما يريد. وإذا تحدثت عن اتجاهات يتجه إليها فإنما هي اتجاهات يكون للأديب فيها مادة غزيرة، وعالم نبيل الغرض.

إننا أمة لا نزال في دور الكفاح، الكفاح في كل نواحيها. ودور الكفاح دور اضطراب وحركة، وهذا الدور لا يجمل بالأديب أن يمر به هادئاً ساكناً دون أن يرفع صوته، وإنك لن تجد أمة خلا مثل هذا الدور فيها من أدب يمثلها ويعبر عنها ويستحثها ويجعل قلبها بركاناً هادراً مهما كانت هذه الأمة حرة النزعة، إنسانية المبدأ. لأنها ترى قوميتها مثل إنسانيتها، ولن يصدق للإنسانية قلب لا يصدق لوطنه، وليكن أدبنا مجرداً ما أراد، متوجهاً حيثما توجه، ولكنا نريد معه أدباً قوياً يساهم في بناء الجبهة القومية، ويستمد روحه من الثقافة القومية، ونريد معه أدباً اجتماعياً يخلق ثورة التجديد والإبداع وينفض هذه المزق الرثة من التقاليد، إذ لا يؤتى الانقلاب السياسي ثمره إذا لم يكن مقروناً بالانقلاب الاجتماعي.

أحس هنا بل أكاد أسمع أصواتاً تنادي من حولي: أتريد أن تجعل من الأدب الواسع الإنساني خادماً للقومية، ومهذباً للمجتمع؟ كأنك لم تعرف التعاريف الأولية التي تفصل الأدب عن القوميات والفن عن الأخلاق التي ضيقت حدوده وأفسدت جماله الذي لا يحيا إلا في المطلق!

بلى! إني أفهم كما يفهمون، وأدرك أن للأدب غاية أسمى وأعلى، ولكني ممن يعتقدون أن الأدب لا يتجرد من شخصية أمته كالأديب لا يستطيع أن يتجرد من شخصيته ولا يمكنه أن يكون إنسانياً قبل أن يكون قومياً؛ وإذا تكلمت عن اتجاهات أدبنا الحاضر فإن عوامل كثيرة تحملني على تحديد هذه الاتجاهات؛ وقد تكون هذه الاتجاهات مفيدة لظروف حاضرة تموت بموتها، وقد يبطل غداً بعضها ويبقى بعضها، وقد يبطل كلها ولكن ما همي مادمت أعتقد أن هذه الاتجاهات محيطة بحياتنا الحاضرة، ولا نستطيع أن نحل عقدة من عقدها إلا بمقتضاها!

يظنون أن الأدب القومي أن يكون الأديب بوقاً ينفخ في كل حادثة، وفي مقدم كل وزير أو زعيم، ومثل هذا الأدب لا يحتاج إلى أن نبدي إعراضنا عنه، وإنما الأدب القومي روح يعلقنا بحب هذا الجو وهذه الارض، ويجلو لنا عن روائع الجمال فيها، ولست أذكر أنني تلوت شيئاً من هذا!

أذكر أنني في هذه السنة كن أنا ورفاق نقوم برحلة في أطراف الفرات الاوسط، فجزنا قرية تدعى (الميادين) وكانت أناشيد الرفاق تتعالى. فهب من في السوق يصفقون لهم، فما راعني ذلك، ولكني أبصرت رجلاً ضريراً مخدود الوجه، ممزق الثياب، هب يلمس بوجهه مواقع الصوت والصدى ويداه تصفقان، فطفرت من عيني دمعة وتمثلت الشعور الوطني يتيقظ في نفسه. فقلت: ألا يجد أدباؤنا في هذا المظهر مادة وموضوعاً؟ ألا يجد شاعرنا عاطفة تهزه كالعاطفة التي ولدتها فيه قبلة محبوبة؟ وأخيراً ألا نجد في هذا الضرير رمزاً للأمة التي فقئوا عينيها فهبت تتلمس النور بغير الحاسة التي خلقت لالتقاط النور، وقد استحالت كل حاسة في جسدها عيناً تبصر، وقلباً يشعر!

أعرف في هذا البلد فئة - قد تكون مخلصة - تدين بالأدب الإنساني، ولا تعنى بالأدب القومي، تمشي فوق رءوس الحقب، وتعلو على حالات عصرها لأنها في اعتقادها حالات زائلة كالغيوم؛ ولا أستطيع أن أناقش هذه الفئة، ولا أن أصرفها عن غايتها النبيلة، وكلني أعلم أن الأدباء الإنسانيين أنفسهم الذين بشروا بالدعوة الإنسانية والأدب الإنساني هم قوميون قبل أن يكونوا انسانيين، لأن الذي لا يتسنى له أن يحس آلام شعبه الذي هو من لحمه ودمه، لجدير بألا يتسنى له أن يحس آلام الإنسانية. .

اتركوا الأدب والفن وعودوا إلى العلم المجرد والأخلاق تجدوا أن كل شعب يثبت فيهما شخصيته التي تختلف عن شخصية غيره. تأملوا الطرق الرياضية الجبرية التي يسلكها العقل الجرماني تجدوا أنها طرق مطلسمة مبهمة تلائم هذا العقل. على حين أن العقل الفرنسي الرقيق يخضع المنطق له ويسلك فيه الطرق الواضحة. وكذلك قولوا في الأخلاق: فكل أمة رتبت أنظمتها بحسب عاداتها. ولو أن طريقة العلم واحدة لما وجدنا طريقة كل عالم تختلف عن طريقة الآخر. . . وإذا كان هذا شأن العلم والأخلاق فكم يكون اختلاف الأدب والفن اللذين يترجمان عن حياة الأمة؟

يقولون: لا وطن للفن! باعتبار أنه إذا صدر عن إنسانية معينة فإنه يخص كل الناس. لأن الإنسانية الكلية هي مجموعة هذه الانسانيات، والفن الكلي هو مجموع هذه الفنون، والفن صلة القربى بين الناس.

يقولون: لا وطن للفن! وأنى لنا أن نسلخ الفن عن الشعب الذي خلقه على صورته، أبالإمكان أن نسلخه عن الطبيعة التي أحاطت به، والتراب الذي حمله؟ والسماء التي حنت عليه، والهواء الذي تنشقه، والوطن الذي احتضنه، وصدى أصوات الأجداد الذين نقلوا إلى الأحفاد ما ورثوه؟ إن الشعب باستطاعته أن يقتبس عن شعب آخر ثم يبقى ما يقتبسه كما هو؛ ولكن من جراء ذلك أن يتنازل عن شخصيته، ويخضع لهذا الغريب خضوعاً أعمى لا يفسر إلا بالجحود بعبقرية الوطن. لقد أخذت روما عن اليونان أنظمتها وفنونها التي أحبتها ولكنها لم تفهمها، فأعطت زخرفة جميلة ولكنها لم تعط أثراً فيه حياتها. وهكذا لا نستطيع أن نقول: هذا أدب إنساني قبل أن نقول: هذا أدب عربي أو إيطالي أو جرماني! إن أطوار الأدب والفن هي ترجمان صادق عن العصر المتحول، يظهر لنا مراحل الطريق، ومراحل السعي، ويحدد لنا أعمار الأمة، ومن خلال كل هذه الخطوط والصور والألوان نجد صورة الوطن، ونستشف ملامحه الحقيقة؛ وقد رأينا أن الأدب أكثر أنواع الثقافة تعلقاً بحياة الأمة، لأنه لا يصور إلا حياتها ولا يسرح إلا في جوها، والذرية العبقرية تكتسب من بيئتها صفات متى حان الوقت أظهرتها، وحولتها إلى الإبداع؛ وعصير الأرض الوطنية يسقي الشجرة الإنسانية؛ وبهذه الإنسانية الشخصية، وبهذا المثل الأعلى الخاص يعلن كل شعب مزاياه وعبقريته. والعظماء أنفسهم لم يستغنوا عن هذه القاعدة، لأنهم كانوا قبل كل شيء وليدي بيئتهم وجيلهم.

إن إنكار القومية ليس جحوداً بقيمة التاريخ وتنائجه فحسب، بل هو إغضاء عن الجغرافية وجهل بعمل الأرض والسماء والبيئة، لأن الأوطان ليست بفكرات خيالية ولا شعرية ولا وهمية، وإنما هي حقائق ظاهرة ثابتة؛ والثقافات المختلفة تثبت ذلك، وكل وطن يحدد حياة أهله ويلهمهم فنه! ولكل شعب أدبه وفنه، وهو بهذا يمثل دوره في القصيدة الكبرى، وإنا نود أن نعود إلى حمل مشعل جديد ورسالة جديدة إلى الإنسانية، ولكنا نريد ألا تصرفنا هذه الإنسانية عن قوميتنا، بل نريد أن نكف عن هذه الإنسانية إذا ساومتنا على قوميتنا!

أذكر في هذا الموقف حادثة طريفة أدبية تمثل تأثير القومية في الأفراد الذين كانوا يؤمنون بالدعوة الإنسانية. لقد كان العالم النقادة الفرنسي (تين) ذا ثقافة ألمانية صرفة. كان يعجب بألمانيا ويحبها حباً جماً ويراها له وطناً ثانياً بعد فرنسا. وكان يرى مع الفيلسوف (رينان) أن ألمانيا هي أم العقل والذكاء. وأن الألمان هم أساتذة العالم في العلوم والآداب والفلسفة، وهم أساتذة العقل الراهن. هبت حرب السبعين، وغمرت ويلاتها الفرنسيين. فضربت اعتقاد (تين) في الصميم، وكانت له يقظة قاسية مؤلمة، إذ وجد القول بأن العلم الإنساني هو كل شيء للإنسان قولاً كاذباً، وألفى أن الفن لا يحيا إذا كان الوطن يتمرغ في الشقاء، فأخذه الإشفاق على وطنه، وحمل بعدها حملات عنيفة على غطرسة العقل الألماني الإنساني، وقال: (إن زمان العلم الخالص الإنساني قد انتهى. . . والآن يجب قبل كل شيء أن نساعد فرنسا على أن تحيا حياة تنطبق على حياتها الماضية. . .)

ونحن في مرحلة شبيهة بهذه المرحلة، لا يجدر بنا في الوقت الذي تفتش فيه الأمم عن قوميتها، أن نضيع قوميتنا بحجة الإنسانية. وقد قدمنا للإنسانية تراثاً خالداً من الدين والفلسفة في سبيل الإنسانية. . . وكيف نطمع ونحن ضعفاء القومية أن نفيد الإنسانية؟ والأمة الضعيفة القومية لا تعطي نتاجاً!

أعطوني أمة ضعيفة القومية ذات نتاج خالد! أليس لنا في اليونان أمة العبقرية والفن مثل واضح على ذلك؟ لقد تحجرت مواهبها وعبقريتها منذ تلاشت قوميتها. وهل أعطى العرب نتاجهم الأدبي إلا يوم كانوا أقوياء؟ وأي نتاج لهم في عصر الضعف والتلاشي؟ وهل يدرس الطلاب من الأدب الغربي إلا أدب الأمم التي ثبتت قوميتها، وخفقت حريتها؟. . . وإذا كانت الثقافة أحلت لهذه الأمم أن تسخر ما لا يسخر للدعاية أفهل يلومنا أحد على أن نسخر هذا الشيء نفسه لغاية أسمى وأعلى، لغاية إحياء قومية نبيلة: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). . . إني أخاف إذا غالينا في تجريد أدبنا من قوميتنا أن يقولوا: هذا أدب إنساني ولكن بلا وطن! وضعف القومية يقتل كل خاصة مبدعة في الشعوب. لقد عملنا عملنا الإنساني كأفراد فلنجرب أن نعمله كأمة! نحن في مرحلة نستطيع أن نقول فيها للأديب ما قاله وزير الدعاية النازية: (لا يحق لك أن تقول (لا يهمني شيء من هذه المرحلة). وما قاله مكسيم غوركي (يجب على كل أديب أن يشعر بمسئوليته الخطرة في هذه المرحلة لأن عليك أيها الأديب يتوقف كل شيء لأنك لست حاكياً تردد، ولا آلة فوتوغرافية عمياء تصور ما يعرض لعدستها، ولا اسطوانة حاك تستنطقها أية إبرة نفس الكلمات، وإنما أنت الصوت وغيرك الصدى. أنت الريشة التي تصور، والأمة الأخيلة التي تلتقطها. أنت الإبرة التي تنقش على الاسطوانة ما تريد والشعب الاسطوانة، فعليك أن تتخير الكلمات التي تريد أن تنقشها. . . وإذا كان هم الرجل السياسي أن ينظم علاقات أمة وشؤونها في الداخل والخارج. فإن هم الأديب أن يوجه حياته ومجتمعها. ويعطينا أدباً يستمد حياته من قلب حياتها لا من بطون الكتب والحجارة. . .)

الساعة قد دنت: وعلى هذه الأرض التي سطعت عبقريتها يريد جديد من المجد والجمال أن يتيقظ!

إنا تذوقنا من ألوان الاضطهاد في الأجيال السابقة ما يجعلنا نسخر حتى السماء في تشييد حريتنا وقوميتنا. . . فكيف لا نسخرك أيها الأدب لهذه الحرية، وكيف لا نسخركم أيها الأدباء لأدب أرى فيه وجه أمتي.؟

خليل هنداوي