مجلة الرسالة/العدد 256/من برجنا العاجي

مجلة الرسالة/العدد 256/من برجنا العاجي

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 05 - 1938



ما أجمل (المكرسكوب) إذا وضع إلى جانب (الكمنجة)!! في مصر والشرق العربي قلما نجد هذا المنظر. فأن رجل العلم ذا النفس الحساسة بالجمال الفني قليل. أعرف مع ذلك واحداً هو الدكتور حسين فوزي مدير إدارة الأبحاث المائية في الإسكندرية، فهو عندي أثمن ما في الإسكندرية. ما أكاد أضع قدمي في هذه المدينة حتى أسرع إلى (معمله) أشاهد أسماكه الغريبة تلعب في أحواضها البلورية، وأراقب مخلوقاته العلمية تنبض تحت الميكروسكوب. إلى أن يحين وقت الغداء فيخلع رداء المعمل الأبيض ويقودني إلى مسكنه حيث يطعمني خير الطعام ويحمل (الكمنجة) ويعزف لي إحدى (سونات) بيتهوفن التي أحبها. على أن هناك متعة نفسية أخرى طالما انتظرتها منه وطالما أغريته بها: القلم. لكنه كان يماطلني ويهرب مني كالعصفور الذي يهرب من الشبكة؛ وأخيراً وقع وحمل القلم ونشر كتابه (سندباد عصري) يصف الجانب الإنساني من رحلته العلمية في بعثة السر جون مري إلى المحيط الهندي، بأسلوب كالبحر الذي أمامه زاخر بعناصر الحياة وأنواع الصور مع خفة روح ورشاقة تعبير.

وذهبت مع الدكتور فوزي منذ أيام أقدمه إلى وزير المعارف فأبتدره الوزير قائلاً:

- حذار من توفيق الحكيم أن يفسد عليك العلم ويغريك بالأدب!

فابتسمت أنا ابتسامة ماكرة. وأخرج صاحبي من تحت إبطه (كتابه) وقدمه دليلاً ناطقاً على أن الإفساد قد تم وأن الأغراء قد حصل!

أما أنا فسروري كذلك قد تم. فأني سوف أرى في زيارتي القادمة للإسكندرية (المكرسكوب) و (الكمنجة) و (القلم) جنباً إلى جنب: أجمل رمز لاجتماع العلم والفن والأدب في كائن آدمي واحد. وتلك إحدى معجزات الظروف التي لم تتهيأ إلا لمثل (إينشتين) اللاعب بالفكر واللاعب بالكمنجة. أما اللعب (بالقلم) فلم يغره بعد شيطان من الشياطين! فطوبى لحسين فوزي الذي اكتملت فيه الهبات الثلاث!

توفيق الحك