مجلة الرسالة/العدد 305/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 305/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 05 - 1939



بين مصر وفرنسا

أصدرت جريدة (الطان) عدداً خاصاً عن مصر، وهو عدد نفيس يقع في عشرات الصفحات، وفيه أبحاث طريفة عن وجوه النشاط الأدبي والاقتصادي، وهو تحية يراد بها توكيد ما بين مصر وفرنسا من صلات

وهذا العدد مفتتح بكلمتين كريمتين:

أما الكلمة الأولى فهي رسالة وجهها حضرة صاحب الجلالة ملك مصر إلى فرنسا. وأما الكلمة الثانية فهي رسالة وجهها حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الفرنسية إلى مصر.

وافتتاح العدد بهاتين الرسالتين يمثل الاحتفاء بتجسيم عواطف المودة بين الشعب المصري والشعب الفرنسي

وفي الرسالة الأولى يقول حضرة صاحب الجلالة ملك مصر: (أريد أن أقول لفرنسا: إني أعرفها وإني أحبها

(أعرفها في ثنايا تاريخها الطويل الشائق، وفي مناحي آدابها وفنونها. . .

(أحب علمائها وفلاحيها وصناعها. أحب أناقتها، وأحب أيضاً بساطتها العائلية، وأحب وطنيتها وكرمها

(أحبها في أحيائها وفي أمواتها: أمثال شامبوليون ومريت ودي لسبس وسليمان باشا)

وفي الرسالة الثانية يوجه فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية تحية طيبة إلى مصر ويرجو أن تواصل جهودها في طريق التقدم الخلقي والاقتصادي والسياسي برعاية مليكها الشاب الذي تحفظ له فرنسا أطيب الذكريات

ونجد بعد ذلك تحية ثانية موجهة إلى مصر من وزير الخارجية الفرنسية، وتحية ثالثة من وزير فرنسا في مصر، ثم تحية موجهة إلى فرنسا من وزير مصر في باريس

وبعد هذه التحيات الرسمية التي تبلغ النهاية في الكياسة واللطف نجد كلمة المسيو دي كومنين عن حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق؛ وهي كلمة في غاية من العذوبة صور بها شمائل الملك المحبوب أجمل تصوير، وفيها تجلت عبقرية الوصف في الأدب الفرنس إذ يقول:

(نبيلٌ عظيم، أشقر بعيون زرق، له ابتسامة الفتاة وضحكة العملاق. . .).

ثم نجد كلمة صاحب المقام الرفيع محمد محمود باشا عن مصر الحديثة؛ وكلمة صاحب الدولة عبد الفتاح يحيى باشا عن مركز مصر الدولي؛ وكلمة صاحب المعالي الدكتور أحمد ماهر عن مركز مصر المالي؛ وكلمة صاحب المعالي الدكتور هيكل باشا عن التربية والمدينة؛ وكلمة صاحب المعالي الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرزاق بك عن الاتجاهات الدينية في مصر الحديثة؛ إلى آخر ما في هذا العدد من شائق البحوث.

وقد وقفنا طويلاً عند الكلمة الشائقة التي كتبها سعادة صديق بك عن: (مصر وطن الإنسانية). وقد كتبها بروح شعري جذاب، ودعا إلى زياتها عشاق المعاني من أصحاب الأذواق

قلت: إن هذا العدد نفيس، وإنه يؤكد ما بين مصر وفرنسا من صلات

فلم يبق إلا أن أنظر إليه نظرة نقدية: فما الذي فات من اهتموا بتنظيم هذا العدد من الطان؟

كنت أحب ألا تغلب عليه هذه الصبغة الرسمية التي جعلت أكثر كتابه من الوزراء وأصحاب الشأن في الميادين الاقتصادية والسياسية.

كنت أحب أن يكون في هذا العدد مكان ظاهر للحياة العلمية والأدبية والاجتماعية. كنت أحب أن يكون فيه فصل عن الصحافة والتأليف، وفصل عن تطور الحياة التعليمية في المعاهد العالية، وفصل عن تأثير مصر في توجيه الحياة الأدبية والعلمية بالشرق. . .

وذلك كان يوجب على مراسل (الطان) في مصر أن يستعين بجهود المشتغلين بالصحافة والتأليف والتعليم. ولو أنه فكر في ذلك لوصل هذا العدد إلى الكمال المنشود.

وهذه النظرة النقدية لا تمنع من تكرير الاعتراف بأن هذا العدد قدم مصر إلى قراء (الطان) بروح مشبع بالحب والجاذبية، فإلى تلك الجريدة العظيمة نوجه أصدق الثناء.

زكي مبارك

أبو تمام - والأستاذ عبد الرحمن شكري

لا أظن أن أديباً عربياً عُني بأبي تمام كما عنيت به، فقد بالغت في مطالعة ديوانه أيما مبالغة، وجمعت أمثاله وشرحتها شرحاً طويلاً، نشرت منه أكثر من ستين صفحة في إحدى المجلات، واخترت طائفة من شعره سميتها (جوهرة الجوهر من شعر الطائي الأكبر) نشرت في مجلة، وربما كان (البيت الميمي) مما جمعتُ واخترت. ولما رجعت إلى الصفحة (409) من طبعة الديوان التي أشار إليها الأديب الكبير (الأستاذ عبد الرحمن شكري) - أدام الله نفع العربية بطول بقائه - وجدتني قد خططت عند ذلك البيت خطًّا علامة اختيار

وإذا ما شاء الله أن يضل العالم أو الأديب في الأحايين فمن أين نظفر بهذه الثروة الأدبية اللغوية الضخمة الفخمة في النقد؟ وكيف تتجلى الحقائق التجلي الباهر التام؟ وهل أغلاط نوادر أبي زياد الكلابي، وأغلاط نوادر أبي عمرو الشيباني، وأغلاط النبات لأبي حنيفة الدينوري، وأغلاط الغريب المصنف، وأغلاط إصلاح المنطق، وأغلاط الجمهرة، وأغلاط المجاز لأبي عبيد، وأغلاط كامل المبرد، وكتاب التصحيف للحسن العسكري، وأغلاط الجوهري للصلاح الصفدي، والتنبيه على أوهام أبي علي في أماليه، والفلك الدائر على المثل الثائر. والجاسوس على القاموس لأحمد فارس الشدياق، وأغلاط أكبر لغوي وأكبر أديب في هذا العصر التي لم تظهر بعد. فهل كل ذلك إلا من فضل ضلال العلماء؟

وإن (وهماً) أفادنا تلك الفائدة، وأدى إلى ذلك التحقيق (الشكري) الكريم المشكور - لخليق بما هو به خليق. . .

جاء في كلمة الأستاذ شكري: (وأرجو أن يسامحني الأستاذ الجليل في هذا البيان). أما بيان الأستاذ الكبير فهو مما يشكره مثلي كل الشكر عليه، وأما سؤال (المسامحة) في الجملة فإني أسامح الأستاذ فيه هذه النوبة لإحسانه إلى العلم وإلى بيانه

(القارئ)

في ذكرى الهراوي

في أواخر الأسبوع المنصرم - والرسالة تحت الطبع - أقام أصدقاء (الهراوي) وإخوانه حفلاً لتأبينه بمسرح حديقة الأزبكية؛ فخطب الدكتور منصور فهمي بك، وأنطوان بك الجميل، وعبد الله بك عفيفي، والأستاذ عبد الوهاب خلاف؛ وأنشد الأساتذة الأفاضل: أحمد الزين، وحسين شفيق المصري، وأحمد محرم، والأسمر، والماحي، وناجي قصائد من الشعر

هذا خبر قد أذاعته الصحف اليومية، ونشرت كل ما قيل في الحفل من نثر وشعر. ولكنا نريد أن نشير هنا إلى معنى قد لحظناه من ذلك الحفل؛ ذلك أن قيام مثل هذا التأبين إنما هو في الواقع مظهر من مظاهر الوفاء والخلق الطيب عند الأحياء. ونحن إذ نسأل عن مدى هذا المظهر في تأبين الهراوي وذكراه نجد الجواب لا يسر، فإن الذين قاموا بتأبين الهراوي من إخوانه وأصدقائه الأوفياء قد توجهوا بالدعوة إلى رجال القلم والأدب في مصر على اختلاف مذاهبهم وألوانهم، ولكن دعوتهم مع الأسف لم تقع موقع القبول إلا عند الرجل النبيل معالي وزير الأوقاف، ومعالي وزير الحقانية، والسيد الببلاوي، وصاحب الرسالة، ونخبة من رجال الصحافة، وطلاب الأزهر والجامعة ودار العلوم إلى جانب أسرة الشاعر وإخوانه الذين حفلوا بتأبينه!

أما وزير المعارف الأديب، وأما الأستاذ لطفي السيد الذي عمل معه الفقيد فترة من الزمن، وأما رجال لجنة التأليف والترجمة والنشر وقد كان الهراوي عضواً بارزاً في جماعتهم، وأما الدكتور زكي مبارك صديق الهراوي على مر السنين، وأما رجال الأدب الذين يتولون زعامته، ويزعمون رعايته، فكل هؤلاء كان تأبين الهراوي، بل قل كان الأدب أهون عندهم من أن يلبوا نداءه ويؤدوا واجبه!

(م. ف. ع)

كتاب حياة الرافعي

أخي الأستاذ سعيد العريان

أشكر لك تفضلك بإهدائي كتابك (حياة الرافعي)، وأهنئك مخلصاً على ما أصبت من توفيق يكاد يكون منقطع النظير.

لقد قرأت الكتاب في ثلاثة أيام، وما أعرف أني استمتعت بكتاب ككتابك - وفي موضوعه - منذ أمد بعيد. نعم، أذكر كتاب (أناتول فرانس في مباذله) وأنه من خير ما قرأت في هذا الموضوع، ولكن كتاب فرانس مبعثر الفصول، مقطع الأبواب ولكتابك مزايا كثيرة ليست في ذلك.

إنك لم تجلُ حياة الرافعي فحسب، بل جلوت الاتجاهات الأدبية، والعوامل النفسية - الخفية - في أدب جيل كامل من الأدباء.

لقد عشتُ في مصر مدة من الزمن تبلغ قرابة سبع سنوات، وكنت أقرأ ما أقرأ حول الرافعي - رحمه الله - وخصومه - عفا الله عنهم -، وله ولهم، ولكني كنت كمن يعشو في ظلماء موحشة، لا أكاد أتبين سر ما أنا بسبيله من نقد وتأليف، وخصومات، إلى أن جاء كتابك فأنار السبل وأوضح المقاصد، وردّ علي ماضي ما قرأت في صورة نيرة مبينة.

لا أريد أن أطيل عليك، ولكن في نفسي إعجاباً ذا شعب ما أستطيع أن أحبسه في نفسي.

لقد وفقت في الأسلوب بقدر ما وفقت في استقصاء المؤثرات النفسية واستكشاف العوامل الخفية في أدب الرافعي. وبذلك أصبح كتابك جزءاً من كتب الرافعي لا بد لمن يقرأها من أن يقرأه. بل هو من أدبه كالفصل الرئيسي من الرواية لا يمكن أن تتم وتستبين بدونه

وما أكتمك أني كنت ممن لا يستهويه أسلوب الرافعي، ولكن كتابك أوضح أن الرافعي كان نسيج وحده في أسلوبه وتفكيره وميوله. وبهذا دفعت عنه ما اتهم به، وأغريت الناس بقراءته بعد أن مزجتهم بنفسه؛ وكسبت له الإعجاب منتزعاً من أعماق القلوب

الحق يا أخي أنك وفقت، فلك التهنئة الخالصة، والشكر الجزيل والود الصادق من أخيك.

(القدس)

اسحق موسى الحسيني

ذكرى الرافعي في محطة الإذاعة المصرية

يذيع الأستاذ محمد سعيد العريان حديثاً عن المرحوم الرافعي في الساعة الثامنة والدقيقة العاشرة من مساء يوم الأربعاء 10 مايو من محطة القاهرة، لمناسبة الذكرى الثانية لوفاة فقيد العربية الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي.

وموضوع الحديث: شخصية الرافعي في أدبه.