مجلة الرسالة/العدد 413/وا شقيقاه!!

مجلة الرسالة/العدد 413/وا شقيقاه!!

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 06 - 1941



للآنسة الفاضلة فدوى طوقان

(في الساعة التاسعة من مساء الجمعة الثالث من شهر مايو

1941. خبا السراج الذي كان يسكب النور في جوانب نفسي

ويهديني إلى سبل الحق والخير والجمال لقد ذهب شقيقي

إبراهيم وخلف لي حسرة الأبد.)

(فدوى طوقان)

و (الرسالة) تقدم إلى الآنسة الفاضلة أجمل العزاء، وتشاطرها

ما أظهرت من العواطف الصادقة في هذا الرثاء.

وا شقيقاه، ما أجلَّ مصابي ... كيف أوْدَى الرَّدى بزين الشبابِ

كيف جفَّ الغصن الرطيب وأضحى ... يا لقلبي موسداً في الترابِ

وا شقيقاه، مالَ في عمر الورد ... غضيرَ الصِّبَى نضيرَ الإهابِ

أين مني أخي؟ ليَ الله! ما خلاّ ... هـ عني؟ ما عاقه عن جوابي؟

سلبتني الأيام بهجة عيشي ... يوم ولَّى وحطَّمتْ أعصابي

وأعاضتْ قلبي من النور ناراً ... ليس تخبو على مدى الأحقابِ

ليت شعري أخي لفقدك أشجَى ... أم لطفليك أم لحظي الكابي

أمْ لأمْ الطفلين لوّعها الثكلُ ... فباتت في حسرة واكتئابِ

دمعها من عصارة القلب، والهْفى ... على قلبها الجريح المذابِ

ودَّعتْ بعدك المباهج وآلاف ... راح واستقبلتْ مقيم العذابِ

لهفَ نفسي على نضير صباها ... ينزوي في الأسى وسود الثيابِ

حرَّ قلبي لجعفر وعريبٍ ... إذ هما يرقبان يوم الإيابِ

كلما استشعروا إليك حنيناً ... هاج في الصدر من طويل الغيابِ هتفا باسمكَ الحبيبِ وباتا ... رهن همٍ ووحشة وارتقابِ

أوحشتْ بعدك المجالس والأسما ... ر وارفضَّ مجمع الأحبابِ

وانطوى الأنس إذ طوتكَ الليالي ... عن نفوس الأتراب والأصحابِ

كنت ريْحانها فغُيِّبْتَ عنها ... في صعيد قفر الجناب ببابِ

حسرتا للخلائق الزُّهْر تُطوى، ... للمزايا وللسجايا العِذابِ

ليت شعري ما عالمٌ صِرتَ فيه ... عن عيون الأحياء خلف حجابِ؟

أهوَ شط الأمان للنفس بعد ال ... خوض في مزبدات طامي العُبابِ

أترى فيه راحة من عناءٍ ... وقراراً من حيرة واضطرابِ

يا شقيقي حدّث، أتنضبُ في ... هـ النفس من كل رغبة وطِلابِ

هل نفضتَ اليدين من نشوة الأح ... لام والشعر والمنى والرغابِ

هل طرحتَ الآلام عنك وكم ... عانيتَ منها مَضاً وطول اصطحابِ

قد سقتك الحياة في العسر واليسر=بكأسين من شهادٍ وصابِ

وبلوْتَ الصحاب في السر والجهر ... فمن بين خالص ومحابي

أقصر اليوم صاحب وعدوٌ ... وَوَهَتْ بينكم عرى الأسبابِ

حسراتي عليكَ ما تنقضي ... لا، ولن ينتهي عليك انتحابي

ويعزّون فيك يا صِنْوَ نفسي ... أيَّ شيء فيه العزا عن مصابي

ما عزائي أخي وقد كنتَ حظاً ... من حظوظي وكنت من آرابي

كنتَ أَزْرِي، إنْ ضِقْتُ بالهم والكر ... ب جَلوْتَ الأسى وفرَّجْتَ ما بي

فإِلى من أشكو إذا حزَبتْني ... طارقات الهموم والأوصابِ

يا شقيقي مهِّدْ لجنبي مكاناً ... وارتقبني فإِنني في الرِّكابِ

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان