مجلة الرسالة/العدد 676/مجانين. . .!

مجلة الرسالة/العدد 676/مجانين. . .!

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 06 - 1946



للأستاذ علي الطنطاوي

(تعليق على ما كتبه الصديق النبيل الأستاذ كامل الكيلاني في

العدد 671 من الرسالة عن (نيوتن والوزير العباسي) مع

تحياتي وأشواقي إليه. . .)

(علي)

إذا رأيتم رجلا يمشي في الطريق منفوش الشعر، شارد النظر، قد لبس معطفه على القفا، ومشى على غير هدى. . . قلتم إنه (مجنون). . . وقد يكون (مجنوناً)، ولكنه قد يكون فيلسوفاً. . . أو شاعراً. . . أو رياضياً. . .!

وإذا سمعتم أن رجلا لا يفرق بين السراويل والقميص، ولا بين الجمعة والخميس، قلتم إنه (مجنون). . . ولكن (أناتول فرانس)، والعهدة على الراوي (جان جاك بروستون) دعي إلى وليمة يوم الأحد، فذهب يوم السبت ولبث ينتظر متعجباً من تأخر الغداء، ولبثتْ ربَّة الدار تنظر متعجبة من هذه الزيارة المفاجئة، ثم لم يرض أن يصدق أنه يوم السبت. . . فهل كان (أناتول) نابغة قومه في البلاغة وباقعة العصر مجنوناً؟!

وإذا شاهدتم رجلا يعتزل في كوخ، أو ينفرد في غار، لا يقبل على الدنيا، ولا يكلم الناس قلتم إنه (مجنون)، ولكن (الغزالي) عاف الدنيا وقد اجتمعت له، والمجد وقد أقبل عليه، والرياسة وقد أتته منقادة تسعى إليه، وحبس نفسه في أصل منارة الجامع الأموي في دمشق، فهل كان (الغزالي) حجة الإسلام وعلم الأعلام مجنوناً؟!

وإذا بلغكم أن إنساناً نسي اسمه قلتم إنه (مجنون)، ولكن (الجاحظ) نسي كنيته وطفق يسأل عنها حتى جاءه ابن حلال بالبشارة بلقياها، فقال له: أنت أبو عثمان؟ فهل كان (الجاحظ) عبقري الأدب، ولسان العرب مجنوناً؟.

ونيوتن. . . وقد كانت في داره قطة، كلما أغلق عليه بابه، وقعد إلى كتبه ومباحثه، أقبلت تُخَرمش الباب وتخشخش بأظفارها فتشغله عن عمله حتى يقوم فيفتح لها، فلما طال عليه الأمر كدَّ ذهنه، وأطال بحثه، فاهتدى إلى المَخْلَص. . . ففتح في أسفل الباب فتحة تمر منها فاستراح بذلك من شرها. . . ثم ولد لها ثلاث قُطيْطات ففتح لكل واحدة منها فتحة. . . لم يستطع هذا العقل الكبير الذي وسع قانون الجاذبية أن يتسع لحقيقة صغيرة: هي أن الفتحة الواحدة تكفي القطة الأم وأولادها!

وأمبير. . . وقد كانت تعرض له مساءل في الطريق، فلا يجد قلماً لها وورقاً، فحمل معه حواَّراً، فكلما عرضت له مسألة، ورأى جداراً أسود، وقف فخط عيه، فرأى مرة عربة سوداء واقفة، فجعل يكتب عليها أرقامه ورموزه، واستغرق فيها، حتى سارت العربة، فجعل يعدو خلفها وحَوَاره بيده، وهو لا يدري ما يصنع!

وهنري بوانكاريه. . . وقد دعا قوماً إلى وليمة في داره، وضرب لها الساعة السابعة موعداً، فلما حل الموعد وجاء القوم، كان مشغولا. . . فدعوه فلم يسمع، وألحوا عليه فلم ينتبه، وكانوا يعرفون شذوذه، فأكلوا وانصرفوا. . . وقام بعد ساعتين فأمَّ غرفة المائدة، فرأى الصحون الفارغة والملاعق المستعملة وبقايا الطعام، فجعل يفكر: هل أكل أم هو لم يأكل؟ ثم غلب على ظنه أنه أكل فعاد إلى عمله!

وأمر الله أفندي. . العالم التركي المشهور صاحب المَعْلَمة التركية، وقد كان يركب البحر كل يوم ما بين داره في (اسكدار) وعمله في (اسطامبول)، فركب يوماً وكان إلى جنبه موظف كبير في السفارة البريطانية، وكان في جيبه فستق حلبي، وكان (أمر الله أفندي) مشغول الفكر، فجال بيده وهو لا يشعر، فسقطت في جيب البريطاني ووقعت على الفستق فأخرج منه فأكل، وظن الرجل أنه مزاح، فسكت، ولكن الشيخ عاد وأوغل في الأكل حتى كاد يستنفد الفستق كله، وكان الفُلْك مزدحماً ما فيه مفر للبريطاني من هذه الورطة، فأحب أن يتلطف بالشيخ حتى يكف، فسأله: كيف وجدت الفستق؟ قال: (عال!) وعاد إلى تفكيره وأكله؛ فقال له: ولكن ليس في جوار الدار مثله اشتريته للأولاد، وإذا دخلت عليهم من غير فستق بكوا. . . قال الشيخ: (عجيب)! وعاد إلى الأكل والتفكير، فقال له: أفلا تتكرم بإبقاء شيء لهم؟ قال: (بلى، بكل امتنان)، وأخرج طائفة من الفستق فدفعها إلى الإنكليزي وأكل الباقي!

وقد وُلِّي وزارة المعارف وأعطي سيارة، فكان كلما بلغت به السيارة المنزل، وفتح له السائق الباب، أخرج كيسه وسأله كم تريد؟ فيقول له: يا سيدي هذه السيارة لمعاليك، فيتذكر ويقول طيب!

وقد سألته امرأة مرة، وكان يمشي أمام داره: أين دار وزير المعارف يا سيدي؟ فقال لها: ومن هو وزير المعارف الآن؟ وصديقنا اللغوي العراقي عبد المسيح وزير. . . وقد دخل مرة غرفة غير غرفته في وزارة الدفاع، وكان (طاب ذكره) من كبار موظفيها، فرأى أثاثها على خلاف ما كان يعهد، فغضب ودعا الفّراش، وقال له: حوّل هذه المنضدة، انقل هذا الهاتف، اعمل كذا، افعل ذاك. . . فلما استوت له ما يريد، نظر فقال: أهذه غرفتي؟! قال: لا يا سيدي، فانتقل إلى غرفته!

وكنا نزوره أنا وأنور، فدعا لنا مرة بشاي وتدفق بالحديث، وهو يشرب كأسه، فلما فرغت، وضعها وتناول كأس الأستاذ العطار فشربها، ثم ثلث بكأسي، فلما جاء الفراش يأخذ الكؤوس، قال سألتكم بالله، هل تريدون كأساً أخرى؟!

وشيخ الشام ومربي الجيل طاهر الجزائري، وقد حدثني الشيخ قاسم القاسمي أنهم احتالوا عليه حتى اشتروا له جبة جديدة وألبسوه إياها، وذهبوا به إلى دمّر فجلسوا حول البركة العظيمة في منزل الأمير عمر، وكان في المجلس الشيخ عبد الرزاق البيطار، وأشيخ جمال الدين القاسمي، وجلة العلماء، فما كان من الشيخ طاهر إلا أن قام فنزع اجبة، وجعل يغمسها في البركة، ثم يدلكها بالتراب، ثم يغمسها، ثم علقها على غصن حتى جفت وتكرّشت فلبسها وقال: الآن استرحت، إن الجبة الجديدة تشغل فكر صاحبها، أما العتيقة فإنه لا يبالي بها فينصرف إلى تفكيره. . .

وصديقنا الكبير سامي بك العظم مفتش العدلية العام، وقد حدثني من فمه أنه دعا (فلاناً) وكان رئيساً للوزراء إلى الغداء في داره في أقصى المهاجرين، فلما كان اليوم الموعود جاء الرئيس بسيارته إلى باب المنزل، فنزل منها وصرف السائق لئلا يطول عليه الانتظار، واجتاز الحديقة الممتدة، وصعد الدرج العالي، وقرع الباب، فلم يرد - أحد عليه، فعاد إلى البلد ماشياً في شمس الهاجرة من آب. أما سامي بك، فقد نسي الموعد، ولم يكن في الدار أحد، لأن أسرته في القاهرة، فذهب فتغدى في المطعم!

وصديقنا الأديب العالم الراوية عز الدين التنوخي، وقد دعا للبحث في إعداد مهرجان المتنبي من سنين جمهرة من أدباء البلد إلى المجمع العلمي يوم كان سكرتيره، فلما جاءوا وجدوا المجمع مغلق الباب، فذهب بعضهم إلى دار الأستاذ يسأل عنه خشية أن يكون به مرض، وإذا هو يشتغل بتحقيق كتاب أبي الطيب اللغوي، وإذا هو يحدثهم عن الكتاب، أما حكاية الدعوة، فقد نسيها من أساسها!

أفكان هؤلاء، وفيهم كل عبقري علم، وكل نابغة إمام. . . أكانوا كلهم مجانين؟

أما في رأي الناس، فنعم!

ذلك لان القافلة تمشي، فمن سايرها عدة أهلها عاقلا، ومن تقدم عنها يسلك طريقاً جديداً قد يكون أقرب وآمن، عدّوه مجنوناً، كمن تأخر عنها ليتيه في مجاهل الصحراء!

لكن ذاك جنون العبقرية، وهذا جنون المارستان!

إن العبقري شغل بالعلم فكره كله، فلم يبق منه شيء لفهم الحياة، فصار عند أهلها مجنوناً! وبين جنون العبقرية وجنون المارستان نوع ثالث، ألا وهو جنون الغرام:

وكل الناس مجنون ولكن ... على قدر الهوى اختلف الجنون

والهوى. . . يا ويح الهوى، ما أكثر شعابه، وما أضلّ أوديته؟!

الهوى. . . ومنذا الذي لم يته في واد من أوديته، ولم يسلك شعباً من شعابه؟

إن من لم يهوَ الغيد الحسان، هَوِىَ الرياض والجنان أو الأصفر الرنان، ومن لم تفتنه العيون التي في طرفها حور، فتنته الشهرة واستهواه الجاه. . . كل الناس مجنون، ولكن أخطر المجانين: مجانين الهوى!

وهل في الدنيا اشد جنوناً ممن ينكر الحياة ويعرض عنها، لا يريد أن يبصر وجهها، ويراها سوداء في عينه لا تنيرها الشمس ولا يضوئها القمر، كل ذلك لأن (امرأة) لم تمنحه قبلة. . . يا حفيظ! اللهم إنا نسألك السلامة!

أما عرفتم مجنون (ليلى)؟ هذا الذي زهد في المجد والرفاهية والعلم والمال والجنة. . . احتوى حياة البشر، وهام مع الوحش في البرية، وملأ أيامه حسرة وكآبة وغمام، لأن. . لأن الله خلق عيني ليلى سوداوين فتانتين، وجعل أنفها رقيقاً دقيقاً وبرأ فمها أحمر كالوردة، حلواً كالسكر، صغيراً لا يعرف إلا لغة القبل. . .

نعم، إنه جُنّ لأن الله لم يخلق ليلى هذه قبيحة شوهاء!

لقد كان يعيش قبل أن يعرف ليلى كما كان يعيش سائر أبناء آدم، وكانت حياته كاملة سعيدة من غير ليلى، فاشتهى يوماً أن يدنو من امرأة كما يشتهي كل رجل، فقادته المصادفة إلى ليلى، فأرادها. . . فلم يصل إليها فجن. . . ولو كان عاقلا لرأى في كل امرأة في الدنيا غناء من ليلى. . . إن مثله مثل رجل أراد أن يدخل بيتاً له مائه باب، فطرق باباً منها وعالجه، فلم يفتح له، فتوقف يبكي وينتحب، شوقاً إلى الدخول، ويضرب الجار برأسه، والأبواب التسعة والتسعون مفتحة أمامه!

وإن لكل رجل (ليلى):

كل يغني على ليلاه متخذاً ... ليلى من الناس أو ليلى من الخشب

فان فاتته ليلى الناس أجزأت عنها ليلى الخشب، فما بال قيس؟ أو لم يخلق الله في النساء جميلة إلا ليلاه؟ أو ليست المصادفة هي التي ألقتها بين يديه، ولو كان رأى سعدي أو سلمى، لكان مجنون سلمى أو سعدي؟

وهذا مجنون آخر هو ستيفن ماجدولين:

ولقد عرفته مذ نقله إلى الشرق إمام الكاتبين المنفلوطي رحمة الله على روحه، ثم رأيت وجهه الفرنسي الأصيل في يوم كنت فيه أنا أيضاً مجنوناً يفكر بأعصابه لا بدماغه، ويرى الدنيا كلها خلوة من خلوات الحب، والحياة قصة من قصص الغرام، والوجود كله وجه فتاة فتانة. . وقاتل الله الصبا وحماقات الصبا. . . عرفته يومئذ فرايته (بجنوني) بطلا من أبطال الحب، وشهيداً من شهداء العاطفة، ولكني عدت إليه اليوم، وقد عقلت، أو كدت، فإذا هو. . . أعوذ بالله!

يقول المجانين إن الحب يطهر النفوس ويزكيها، ويوسع آفاقها وينميها، ويسمو بها ويعليها، فتعالوا اسمعوا حديث هذا المحب الفرنسي ما صنع به الغرام:

هجر أباه وتبرأ منه، وأنكر حق أبوّته. . . ثم ذهب أخوه إلى المعركة وخاف أن يسقط عن سرجه، فبعث إليه يسأله ثمن سرج جديد، فلم يرد عليه، لأنه يحتاج إلى المال لينفقه فيما هو أهم، يريد أن يستأجر به مقعداً في المرقص يرى منه وجه ليلاه، أي ماجدوليته، فسقط أخوه عن سرجه، ومات في المعركة. . . ثم فارق أباه وبقي في العراء، فأحسن إليه واحد من أقربائه، وأعطاه ما يبغي من المال، فكانت مكافأته إياه على إحسانه أن سرق ماله، ودفع في صدره، فعجل موته. . .

فعل ذلك كله من أجل امرأة، أضاع كل شيء ليجدها، ولكنها أعرضت عنه، ومالت إلى غيره. . إلى صديقه الذي قاسمه خبزه، وشاركه فراشه، صديقه الذي سلبه سريره من تحته، فباعه لينفق ثمنه على مآربه وهواه، وهذا المجنون المغفل لا يحس ولا يدري، لأن الحب أعماه وأصمه. وهل رأيتم محباً له بصر؟ أعرضتْ عنه، ولها الحق في الأعراض. . . هل تتزوج مجنوناً؟ إن الزواج إذا بني على هذا الجنون الذي يسميه أصحابه (حباً)، صار البيت من بعده مستشفى مجاذيب، ومارستاناً من المارستانات!!

تزوجت بغيره، فذهب ينتزعها من زوجها الشرعي، ويرى أنه أحق بها، لأن اسمه واسمها منقوشان على شجرة زيزفون. . .

ما شاء الله كان! إنك تستطيع أن تأخذ المرأة من بين ذراعي زوجها، لأنك حفرت اسمها مع اسمك على شجرة. . . اسمعوا يا عقلاء (وأين العقلاء) شريعة المجانين. . . اسمعوا منطق الحب!

هذا هو الحب الفرنسي: تفريط بحق الأسرة، واستهانة بواجبات الشرف والدين، واستئثار قاتل يمحو من الحياة أسمى فضائلها، لهذه اللذة التي ينالها، ويفقر النفس العامرة بالإيمان والفضيلة والمجد، ولا يبقى فيها إلا صورة الحبيب، يراه العاشق في الأفق إذا نظر إليه والشمس واقفة للوداع، وفي السماء إذا تأمل فيها ونجومها تتوقد في هدأة الليل، وفي صفحة الماء والروض البهيج، وفي كل كتاب يقرؤه، ومشهد يراه:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل

فيا رحمتا لهؤلاء المجانين! إنهم عُمْى لا يبصرون من الدنيا إلا وجه امرأة واحدة. . . صُمّ لا يسمعون إلا صوتها. . . بُلْه لا يشتغلون إلا بها. . . مجرمون لا يبالون بكل رذيلة إذا أوصلتهم إليها. . . أذلاَّء لأنهم فقدوا الرجولة والكرامة، وغدا المثل الأعلى لهم أن يطيعوا هذه الرعناء الطائشة. . . لأن لها عيناً بلون السماء وزرقة البحر. . .

هذا هو الحب يا أيها الشباب الصغار!

كل عاشق هو (ستيفن)، ولو تناءت الديار، وتباعدت الأزمان، فاقرءوا سيرة ستيفن تقرءوا سيرة كل عاشق. . .

لقد ارتضى أن يخسر كل شيء ليربح ماجدولين، فلما خسرها لم يبق له شئ. . . لقد غدا مجنوناً. . . وهل يمكن أن يكون محب عاقلا؟ ها هو ذا يحرق الورقة المالية التي لا يملك غيرها. . . ليقرأ على ضيائها رسالة الشيطانة. . . أعني الحبيبة، ويبقى من بعدها طاوياً يتضور جوعاً، لا يدري أن أحلام الحب وحماقاته لا تملأ المعدة الفارغة، وأن الرغيف الواحد أثمن عند الجائع من كل ما في الأرض من لَيْلَيَات وماجدولينات. . . لقد غدا تائهاً يدور في السبل والطرقات. . . وينام حيث يدركه المنام. . . لقد صيّره الحب موجوداً كالمعدوم. . . صار عضواً من الأمة أشلّ لا ينفع ولا يضر، بل إنه يضر ولا ينفع!!

لقد سَدَّ في وجهه طرقَ المجد، وحجب عن باصرتيه نور الشمس، فلم يبق فيه فائدة لنفسه ولا للناس، بل لقد صار هُزْأة وغدا مَسْخَرة. . . وكذلك يكون العاشقون!

وينال هذا المجنون خمسة عشر ألفاً يستطيع أن يصنع بها الجلائل، ويرفع بها لنفسه ولأمته مجداً. . . فماذا صنع بها؟ دفعها إلى عابر سبيل لا يعرفه. . . فما أكرم هؤلاء العشاق الذين يمنحون ثروتهم كلها إلى من لا يعرفون، ويضن الواحد منهم على أخيه بثمن سرج لفرسه، ويتركه يموت في المعركة. . .!

ثم يأتيه المال الوفير، فينفقه في أتفه الأمور وأحط الرذائل، يستأجر مقاصير المسرح كلها، ويرى الرواية وحده. . لماذا؟ ليغيظ المرأة التي أحبها فتزوجت بغيره، لأنها تريد أن يكون زوجها رجلا مثل الرجال، لا امرأة لها شاربان ولحية ولا عقل لها ثم يترقى ستيفن في فضائل الحب، فينتهي إلى الغصب والنهب من حانة. . . ويعلن جنونه ليهدم به الحياة البشرية، فيزعم أن الحب أقدس الواجبات، والزواج شر الرذائل، ثم تختم هذه الحياة النبيلة. . . السامية. . . بجريمة القتل!

هذا هو مجنون ماجدولين، وذلك مجنون ليلى. . . أما سائر المجانين , فهم بقية العاشقين!

فإذا كان في الدنيا جنون عبقرية، وجنون مارستان، فإن جنون الهوى هو جنون الإجرام، لاسيما إذا كان هوى على الطريقة الفرنسية. . .

فيا أيها الشباب الصغار! إذا لم يكن بد من الجنون، فلنجن بالمعالي والمكارم والعلم والفن، أو لنسكن المارستان. . . أما المرأة، فصدقوني إذا قلت لكم: إنها لا تستحق أن يجن بها أحد!!

(دمشق) علي الطنطاوي