مجلة الرسالة/العدد 76/في الروض المحزون

مجلة الرسالة/العدد 76/في الروض المحزون

مجلة الرسالة - العدد 76
في الروض المحزون
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 12 - 1934



بقلم امجد الطرابلسي

يا روضُ ما لشبَابكَ النَّضِرِ ... جارتْ عليهِ فواجِعُ القَدَر؟

أَفأَنتَ مِثلي تَشتكي - حَدَثاً - ... عِبَْء السَّنين وعادِيَ الكِبَرِ؟

ماذا جَنَيْتَ وكنتَ مُزْدَهِراً ... حتى رُمِيتَ بأَفدحِ الغِيَرِ؟

أَيْنَ القيانُ الصّادحاتُ على ... عُرُشٍ مُكَرَّمَةٍ منَ الزَّهَرِ؟

يَبكينَ إن نَزَلَ الدجى - فرقاً ... منهُ - وأَسْبَلَ حالِكَ السُّتُرِ

ويكدْنَ يملأْنَ الفضا فَرَحاً ... إن أَزْمعَ التَّرْحَالَ في السَّحَرِ

بل أينَ، كالأَمْسِ الهنِيِّ، مَهاً ... يَمْرحْنَ في الآصالِ والبُكَرِ؟

أَو لمْ تكن بالأمْس تمْطِرُني ... إمّا أتيتكَ أَطيبَ الثَّمَرِ؟

واليومَ كلُّ نَداكَ من وَرَقٍ ... ذاوٍ مَعَ الأَرياحِ مُنْتَثَرِ!!

يا روضُ لاَ يَأْخُذْكَ بي عَجَبٌ ... إن جِئْتُ تَحْتَ الرِّيح والمَطَرِ

أشكو إليكَ هواجِساً حُلُكاً ... كالليلٍ قَد غَشَّت على بصري

الآنَ طابَ لِيَ المُقامُ هُنا ... يا روضُ تحت ثوا كِلِ الشَّجَرِ

يُلْقينَ بالأوراقِ ذابلةً ... مِثلَ المُنى في هَبَّةِ القَدَرِ

ما حاجَتي بالرَّوْضِ مُزْدَهِراً ... إنْ كانَ قَلْبيَ غَيْرَ مُزْدَهِرِ!؟

في خافِقي يا رَوضُ عاصِفَةٌ ... غَضْبى تَهيجُ كوامن الفِكَرِ

نارٌ تَوَقَّدُ فيَّ لاهِبَةً ... تَرْمى حَنايا الصَّدْرِ بالشَّرَرِ

وخَواطِرٌ سُودٌ تَدَفَّقُ في ... عَقْلي الشَّتيتِ تَدَفُّقَ النهرِ

حتى كأَني جَذْوَةٌ شَرَدَت ... مِنْ قبلِ يومِ الحَشْرِ عن سَقَرِ

فَلَعلَّ إحدى السُّحْبِ تُطْفِئُهاَ ... يوماً بغيث جِدِّ مُنْهَمِرِ

أمّا تجِدْني هازِلاً أَبَداً ... أَجْزى حُقُودَ الدَّهْرِ بالسَّخَرِ

وأَسيرُ في دُنيايَ مُتَّئِداً ... بينا المنونُ تجِدٌّ في أَثري

لا الدَّهْرُ تُنْسيني غوائِلُهُ ... يَوْماً مَغاني الأُنْسِ وَالسَّحَرِ

فَلَرُبَّماَ ابْتَسَمَ الفتى وَبهِ ... أَلَمٌ يُفَتِّتُ أَصْلدَ الصَّخَرِ ولَرُبَّ عَهْدٍ كانَ أَعْذَبُهُ ... لَوْ كانَ يَعْذُبُ غايةَ المَقَرِْ

وَلرُبّ ليلاتٍ لَبِثْتُ بها ... سَهْرَانَ أَرْقُبُ طَلْعةَ الْقَمَرِ

أشكو لهُ همِّا يُساوِرُني ... وَأَبُثُّ بَعْضَ مظاَلمِ البشَرِ

تِلكَ الطُّفولةُ مَا عَرَفْتُ بها ... إِلا الدُّموعَ وَأَكْؤُسَ الصَّبرِ

يا ليتَ شِعْريَ والحياةُ أَسىً ... ما جاَء بي للعاَلِمِ النُّكُر

أَأَتَيْتُ أَقطعُ رِحْلَتي عَبثاً ... أم جئتُ للأَحزانِ والضّجَرِ

أَنا في زمانٍ قد تَنَكّرَ لي ... مُنُذ الوِلادِ بأَبْشع الصُّوُرِ

فعلامَ أَجْزَعُ من نوائِبِهِ ... وأخافُ مِنْ أحْداثِهِ الكُثُرِ

يا موتُ جِئ أو لا تَجئ أبداً ... سيّانِ طالَ أو انطَوى عُمُري

أنا حائرٌ ما عِشْتُ في زَمَني ... ومتى رَسولُكَ يَدْعْني أطِرِ

أتُرى وراَءكَ يا ردى قَبَسٌ ... أمْ لَيْسَ إلاّ ظُلْمَةَ الحُفَرِ؟

(دمشق)

امجد الطرابلسي

أصداء البيئة