مجموع الفتاوى/المجلد الأول/في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه
في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه
عدلقال شيخ الإسلام:
في قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه.
الجواب:
أما قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك: فإنه قد روي في حديث عن النبي ﷺ رواه ابن ماجه، لكن لا يقوم بإسناده حجة؛ وإن صح هذا عن النبي ﷺ كان معناه: أن حق السائلين على الله أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو كتب ذلك على نفسه. كما قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1. فهذا سؤال الله بما أوجبه على نفسه كقول القائلين: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَاعَلَى رُسُلِكَ} 2. وكدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار لما سألوه بأعمالهم الصالحة، التي وعدهم أن يثيبهم عليها. اه.
ولما كان الشيخ في قاعة الترسيم:
دخل إلى عنده ثلاثة رهبان من الصعيد فناظرهم، وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار، وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح.
فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون، أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك، فقال لهم: وإن من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكًا، ولا شمسًا ولا قمرًا ولا كوكبًا، ولا نشرك معه نبيًا من الأنبياء ولا صالحًا: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} 3.
وإن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره، مثل إنزال المطر وإنبات النبات، وتفريج الكربات والهدى من الضلالات، وغفران الذنوب، فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك ولا يقدر عليه إلا الله.
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم، ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاؤوا به، ونطيعهم. كما قال نوح، وصالح، وهود وشعيب: {أَنِ اعْبُدُوا الله وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} 4 فجعلوا العبادة والتقوى لله وحده، والطاعة لهم، فإن طاعتهم من طاعة الله. فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافرًا حتى يؤمن بذلك الكتاب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر، فلما سمعوا ذلك منه قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه. ثم انصرفوا من عنده.
هامش
عدل